قصة المسيح عليه السلام
من البداية والنهاية لابن كثير
الحمدُ للهِ جلَّ في عليائِه، نحمدُه سبحانَه على جزيلِ عطائِه، ونشكرُه على إفضالِه ونَعمائِه، وصلى الله وسلَّم على نبيِّنا محمَّدٍ خاتَمِ أنبيائِه، وعلى آله وصَحْبه وجميعِ نسائِه؛ فإنهم خِيرةُ أوليائِه، وعلى مَن اقتفى أثرَه واهتدى بهَدْيه إلى يوم لقائِه، وبعد:
فهذه قصةُ المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام، اختصرتُها مِن (البداية والنهاية)؛ للحافظ ابنِ كثيرٍ رحمه الله تعالى[1]، مُكتفيًا ببيانِ ما اشتَمَل عليه القرآنُ الكريمُ مِن ذِكر أمرِه، وشَرْحِ ابنِ كثير للآيات، مع حذفِ ما لا يصحُّ ولا دليلَ عليه، ولا طائلَ مِن ذكرِه.
وقد ابتدَأْتُ قصتَه عليه السلام كما ذكرها ابنُ كثير رحمه الله مِن تاريخه بلفظِه، مُعقبًا ومُحيلًا إلى مواضعِ أقوالِه في تفسيرِه، مع الاختصارِ غيرِ المُخِلِّ، وللهِ الحمدُ والمنَّة.
♦♦ ♦ ♦♦
• ميلادُ (مريمَ بنتِ عِمرانَ) أمِّ عيسى عليهما السلام:
• قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [آل عمران: 33 – 37].
قال ابن كثير رحمه الله:
“يذكُرُ تعالى أنه اصطفى آدمَ عليه السلام، والخُلَّصَ مِن ذريته المتَّبِعين شرعَه، المُلازِمين طاعتَه، ثم خصَّص فقال: ﴿ وَآلَ إِبْرَاهِيمَ ﴾، فدخَل فيهم بنو إسماعيلَ وبنو إسحاقَ، ثم ذكر فضلَ هذا البيتِ الطاهرِ الطيِّب وهم آلُ عِمرانَ، والمرادُ بعِمرانَ هذا والدُ مَرْيمَ عليها السلامُ”.
• وكان زكريا عليه السلامُ نبيُّ ذلك الزمانِ زوجَ أختِ مريم؛ في قول الجمهورِ.
وقيل: زوج خالتِها، فالله أعلم[2].
• وقولها: ﴿ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾ [آل عمران: 36]، قد استُجِيبَ لها في هذا، كما تُقُبِّل منها نَذْرُها.
وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: سمِعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ((ما مِن بني آدمَ مولودٌ إلا يَمَسُّه الشيطانُ حين يُولَد، فيَستهِلُّ صارخًا مِن مسِّ الشيطان، غيرَ مريمَ وابنِها))، ثم يقولُ أبو هريرة: واقرَؤُوا إن شِئتُم: ﴿ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾[3].
• ﴿ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ﴾ [آل عمران: 37].
ذكر كثيرٌ مِن المُفسِّرين أن أمَّها حين وضعَتْها لفَّتْها في خُروقِها، ثم خرَجَتْ بها إلى المسجدِ، فسلَّمَتْها إلى العُبَّاد الذين هم مُقيمون به، وكانَتِ ابنةَ إمامِهم وصاحبِ صلاتِهم، فتنازَعوا فيها، والظاهرُ أنها إنما سلَّمَتها إليهم بعد رَضاعِها وكَفالةِ مثلِها في صِغَرِها، ثمَّ لما دفعَتْها إليهم تنازَعوا في أيهم يكفُلُها، وكان زكريا نبيَّهم في ذلك الزمان، وقد أراد أن يستبدَّ بها دونهم؛ مِن أجل أن زوجتَه أختُها أو خالتُها؛ على القولين، فشاحوه في ذلك، وطلَبوا أن يقترعَ معهم، فساعدَتْه المقاديرُ، فخرَجَتْ قرعتُه غالبةً لهم؛ وذلك أن الخالةَ بمنزلة الأمِّ.
• قال الله تعالى: ﴿ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [آل عمران: 37].
قال المُفسِّرون:
اتَّخَذَ لها زكريا مكانًا شريفًا مِن المسجدِ لا يدخُلُه سواها، فكانَتْ تعبُدُ الله فيه، وتقومُ بما يجبُ عليها مِن سِدانَة البيتِ إذا جاءَتْ نَوْبتُها[4]، وتقومُ بالعبادة ليلَها ونهارَها، حتى صارَتْ يُضرَبُ بها المَثَلُ بعبادتِها في بني إسرائيلَ، واشتَهَرَتْ بما ظهَر عليها مِن الأحوال الكريمةِ والصفات الشريفة، حتى إنه كان نبيُّ اللهِ زكريا عليه السلام كلما دخل عليها موضعَ عبادتِها، يجدُ عندها رزقًا غريبًا في غيرِ أوانِه، فكان يجدُ عندها فاكهةَ الصيفِ في الشتاء، وفاكهةَ الشتاءِ في الصيف، فيسألها: ﴿ أَنَّى لَكِ هَذَا ﴾؟ فتقولُ: ﴿ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾؛ أي: رزقٌ رَزَقْنِيهِ اللهُ؛ ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾، فعند ذلك وهنالك طَمِعَ زكريا في وجود وََلدٍ مِن صُلبِه، وإن كان قد أسنَّ وكَبِر، ﴿ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴾ [آل عمران: 38].
♦♦ ♦ ♦♦
• إرهاصاتُ ميلاد المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام:
قال تعالى:
﴿ وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ * يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ * ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ * إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ * وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ﴾ [آل عمران: 42 – 51].
• يذكُرُ تعالى أن الملائكةَ بشَّرَت مَرْيمَ باصطفاءِ اللهِ لها مِن بينِ سائرِ نساءِ عالَمِي زمانِها، بأَنِ اختارَها لإيجادِ ولدٍ منها مِن غير أبٍ، وبُشِّرَتْ بأَنْ يكونَ نبيًّا شريفًا، ﴿ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ ﴾ [آل عمران: 46]؛ أي: في صِغَرِه، يدعوهم إلى عبادةِ الله وحدَه لا شريكَ له، وكذلك في حال كُهُولتِه، فدلَّ على أنه يبلُغُ الكُهُولةَ ويدعو إلى الله فيها.
وأُمِرَت بكثرةِ العبادة والقُنُوتِ، والسجود والركوع؛ لتكونَ أهلًا لهذه الكرامةِ، ولتقومَ بشُكْرِ هذه النِّعمة، فيقالُ: إنها كانَتْ تقومُ في الصلاةِ حتى تفطَّرَتْ قَدَماها، رضي الله عنها ورحِمها، ورحِم أمَّها وأباها.
• فقولُ الملائكة: ﴿ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ ﴾ [آل عمران: 42]؛ أي: اختارَكِ واجتباكِ، ﴿ وَطَهَّرَكِ ﴾؛ أي: مِن الأخلاق الرذيلة، وأعطاكِ الصفاتِ الجَميلةَ.
• ﴿ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ﴾:
• يحتَمِلُ أن يكونَ المرادُ عالَمِي زمانِها؛ كقولِه لموسى عليه السلام: ﴿ إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ ﴾ [الأعراف: 144]، وكقولِه عن بني إسرائيل: ﴿ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [الدخان: 32]، ومعلومٌ أن إبراهيم عليه السلام أفضلُ مِن موسى عليه السلام، وأن محمدًا صلى الله عليه وسلم أفضلُ منهما، وكذلك هذه الأمةُ أفضلُ مِن سائر الأمم قبلها، وأكثر عددًا، وأفضل علمًا، وأزكى عملًا من بني إسرائيل وغيرِهم.
• ويحتَمِلُ أن يكون قولُه: ﴿ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ﴾ محفوظَ العمومِ؛ فتكونَ أفضلَ نساءِ الدنيا ممَّن كان قبلها، ووُجِد بعدَها…، ولا يَمتَنِعُ أن تكون أفضلَ الصِّدِّيقاتِ المَشهُوراتِ ممَّن كان قبلها وممَّن يكون بعدَها، والله أعلم.
وقد جاء ذكرُها مقرونًا مع آسيةَ بنتِ مُزاحم، وخديجةَ بنت خُوَيلد، وفاطمة بنت محمَّد، رضي الله عنهن وأرضاهن[5].
♦♦ ♦ ♦♦
• [ذكرُ ميلادِ العبدِ الرسولِ المسيحِ عيسى ابنِ مريمَ البتولِ، عليه السلام][6]:
قال الله تعالى:
﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا *قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا *قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا*قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا*قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا * فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا*فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا * فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا*وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا * فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا*وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا*ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ*مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ [مريم: 16 – 37][7].
• ذكر تعالى هذه القصةَ بعد قصةِ زكريا عليه السلام، التي هي كالمُقدِّمةِ لها والتَّوطِئة قبلَها، كما ذكر في سورةِ آل عمران، قرَن بينهما في سياقٍ واحد، وكما قال في سورة الأنبياء: ﴿ وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ * وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 89 – 91].
• وقد تقدَّم أن مَرْيم لما جعلَتْها أمُّها مُحرَّرةً تخدُمُ بيتَ المَقدِس، وأنه كفَّلها زوجَ أختِها – أو خالتِها – نبيَّ ذلك الزمانِ زكريا عليه السلامُ، وأنه اتَّخذ لها محرابًا لا يدخُلُه أحدٌ عليها سِواه، وأنها لما بلَغَتِ اجتهدَتْ في العبادةِ، فلم يكُنْ في ذلك الزمانِ نظيرُها في فنونِ العبادات، وظهَر عليها من الأحوال ما غبَطها به زكريا عليه السلام، وأنها خاطبَتْها الملائكةُ بالبِشارة لها باصطفاءِ الله لها، وبأنه سيَهَبُ لها ولدًا زكيًّا يكون نبيًّا كريمًا طاهرًا مُكرَّمًا، مُؤيَّدًا بالمعجزات، فتعجَّبَتْ مِن وجودِ ولد مِن غير والد؛ لأنها لا زوجَ لها، ولا هي ممن تتزوَّج، فأخبرَتْها الملائكةُ بأن الله قادرٌ على ما يشاءُ، إذا قضى أمرًا فإنما يقول له: كُنْ، فيكون، فاستكانَتْ لذلك وأنابت وسلَّمَت لأمر الله تعالى، وعلِمَت أن هذا فيه محنةٌ عظيمة لها، فإن الناسَ يتكلَّمون فيها بسببِه، لأنهم لا يعلمون حقيقةَ الأمر، وإنما ينظرون إلى ظاهر الحال مِن غير تدبُّر ولا تعقُّل!
وكانت إنما تخرُجُ مِن المسجدِ في زمن حَيْضِها، أو لحاجةٍ ضروريَّةٍ لا بدَّ منها؛ مِن استِقاءِ ماءٍ أو تحصيل غذاءٍ، فبينما هي يومًا قد خرَجَتْ لبعضِ شُؤونِها وانتبذَتْ – أي انفردَتْ – وحدَها شرقِيَّ المسجدِ الأقصى؛ إذ بعَث الله إليها الرُّوحَ الأمين جبريلَ عليه السلام ﴿ فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا ﴾ [مريم: 17]، فلما رأَتْه ﴿ قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا ﴾، قال أبو العالِيَة: علِمَتْ أن التقيَّ ذو نُهْيَة[8]…، ﴿ قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ ﴾ [مريم: 19]؛ أي: خاطَبَها المَلَكُ قائلًا: إنما أنا رسولُ ربِّكِ؛ أي: لستُ ببشرٍ، ولكني مَلَكٌ بعثني الله إليك ﴿ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا ﴾ [مريم: 19]؛ أي: ولدًا زكيًّا، ﴿ قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ ﴾ [مريم: 20]؛ أي: كيف يكونُ لي غلام، أو يوجد لي ولدٌ، ﴿ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا ﴾ [مريم: 20]؛ أي: ولستُ ذاتَ زوجٍ، وما أنا ممَّن يفعَلُ الفاحشةَ!
﴿ قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ﴾ [مريم: 9]؛ أي: فأجابَها المَلَك – عن تعجُّبِها مِن وجود ولدٍ منها والحالة هذه – قائلًا: ﴿ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ ﴾ [مريم: 21]؛ أي: وعد أنه سيخلُقُ مِنكِ غلامًا، ولستِ بذاتِ بَعْلٍ، ولا تكونين ممَّن يَبْغِين.
﴿ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ﴾ [مريم: 21]؛ أي: وهذا سهلٌ عليه، ويَسيرٌ لديه، فإنه على ما يشاء قديرٌ.
• وقولُه: ﴿ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ ﴾ [مريم: 21]؛ أي: ولنجعلَ خلقَه – والحالةُ هذه – دليلًا على كمال قدرتِنا على أنواعِ الخلق؛ فإنه تعالى خلق آدم مِن غير ذكرٍ ولا أنثى، وخلق حوَّاء مِن ذكرٍ بلا أنثى، وخلق عيسى مِن أنثى بلا ذكرٍ، وخلق بقيَّة الخلقِ مِن ذكرٍ وأنثى.
• وقولُه: ﴿ وَرَحْمَةً مِنَّا ﴾ [مريم: 21]؛ أي: نرحَمُ به العباد، بأن يدعوَهم إلى الله في صِغَرِه وكِبَرِه، في طفولتِه وكُهولتِه، بأن يُفرِدُوا الله بالعبادةِ وحدَه لا شريك له، ويُنزِّهِوه عن اتِّخاذِ الصاحبة والأولاد والشركاء والنُّظراء والأضداد والأنداد.
• وقوله: ﴿ وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا ﴾ [مريم: 21]:
• يحتَمِل أن يكونَ هذا مِن تمامِ كلامِ جبريل معها؛ يعني أن هذا أمرٌ قد قضاه الله وحتَّمه وقدَّره وقرَّره…؛ واختاره ابن جرير، ولم يَحْكِ سواه[9]، والله أعلم.
• ويحتَمِلُ أن يكونَ قولُه: ﴿ وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا ﴾ [مريم: 21] كنايةً عن نَفْخ جبريلَ فيها، كما قال تعالى: ﴿ وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا ﴾ [التحريم: 12]؛ فذكر غيرُ واحدٍ مِن السلف أن جبريلَ نفخ في جَيْب دِرْعِها، فنزلَتِ النفخةُ إلى فَرْجِها، فحمَلَتْ مِن فَوْرِها، كما تحمِلُ المرأةُ عند جِماعِ بَعْلِها.
• ﴿ فَحَمَلَتْهُ ﴾ أي: فحمَلَتْ ولدَها ﴿ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا ﴾ [مريم: 22].
• وقوله: ﴿ فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ ﴾ [مريم: 23]؛ أي: فألجَأَها، واضطَرَّها الطَّلْق إلى جِذْعِ النخلةِ.
• وقولُه: ﴿ فَنَادَاهَا مَنْ تَحْتَهَا ﴾ [مريم: 24] ، وقُرِئَ: ﴿ مِنْ تَحْتِهَا ﴾ على الخَفْض.
وفي المُضمَر قولانِ: أحدُهما أنه جبريل…، [والثاني] هو ابنُها عيسى عليه السلام؛ واختاره ابن جرير[10].
• وقوله: ﴿ أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ﴾ [مريم: 24]؛ قيل: النَّهر، وإليه ذهب الجمهورُ…، واختاره ابن جريرٍ، وهو الصحيح[11].
• وقوله: ﴿ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ﴾ [مريم: 26]، وهذا مِن تمام كلامِ الذي ناداها مِن تحتِها؛ قال: ﴿ فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا ﴾ [مريم: 26]؛ أي: فإِنْ رأيتِ أحدًا مِن الناس، فقولي له – أي بلسان الحال والإشارة -: ﴿ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا ﴾ [مريم: 26]؛ أي: صمتًا، وكان مِن صومِهم في شريعتِهم تركُ الكلام والطعام…، ويدلُّ على ذلك قولُه: ﴿ فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ﴾ [مريم: 26].
• فأما في شريعتِنا، فيُكرَه للصائمِ صَمْتُ يومٍ إلى الليلِ[12].
• وقوله تعالى: ﴿ فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ﴾ [مريم: 27، 28]… لما رأَوها تحمِلُ معها ولدَها ﴿ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا ﴾، والفِرْيَةُ هي الفِعْلة المُنكَرة العظيمة مِن الفعال والمقال، ثم قالوا لها: ﴿ يَا أُخْتَ هَارُونَ ﴾:
قيل: شبَّهوها بعابدٍ مِن عُبَّاد زمانِهم، كانت تُسامِيه في العبادةِ، وكان اسمُه هارونَ…
وقيل: أرادوا بهارونَ أَخَا موسى، شبَّهوها به في العبادةِ…، وقد ورد الحديثُ الصحيحُ الدالُّ على أنه قد كان لها أخٌ اسمُه هارونُ، وليس في ذكرِ قصةِ ولادتِها وتحريرِ أمِّها لها، ما يدلُّ على أنها ليس لها أخٌ سواها، والله أعلم[13].
• والمقصود أنهم قالوا: ﴿ يَا أُخْتَ هَارُونَ ﴾، ودلَّ الحديثُ على أنها قد كان لها أخٌ نَسَبِيٌّ اسمُه هارون، وكان مشهورًا بالدينِ والصلاح والخير، ولهذا قالوا: ﴿ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ﴾؛ أي: لستِ مِن بيتٍ هذا شيمتُهم ولا سجيَّتُهم، لا أخوك ولا أمُّك ولا أبوك، فاتَّهَموها بالفاحشة العُظْمى، ورمَوها بالداهيَة الدَّهياء…، ﴿ فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ﴾ [مريم: 29]؛ أي: خاطِبوه وكلِّموه؛ فإن جوابَكم عليه، وما تَبْغُون مِن الكلام لديه.
فعندها قال مَن كان منهم جبارًا شقيًّا: ﴿ كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ﴾؛ أي: كيف تُحيلِينَنا في الجوابِ على صبيٍّ صغير لا يعقِلُ الخطاب، وهو مع ذلك رضيعٌ في مهدِه، ولا يُميِّز بين مَحْضٍ وزَبَدِه[14]، وما هذا منك إلا على سبيلِ التهكُّم بنا والاستهزاء والتنقُّص لنا والازدراء؛ إذ لا تَرُدِّينَ علينا قَولًا نُطقيًّا، بل تُحِيلينَ في الجواب على مَن كان في المهدِ صبيًّا!
• فعندها ﴿ قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ﴾ [مريم: 30].
• هذا أولُ كلامٍ تفوَّه به عيسى ابنُ مريم عليه السلام، فكان أول ما تكلَّم به أن قال: ﴿ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ ﴾ [مريم: 30]، اعتَرَف لربِّه تعالى بالعبوديةِ، وأن الله ربَّه، فنزَّه جَنابَ اللهِ عن قول الظالمين في زعمِهم أنه ابنُ الله، بل هو عبدُه ورسولُه وابنُ أَمَتِه، ثم برَّأ أمَه مما نسَبها إليه الجاهلون، وقذفوها به ورمَوْها بسببه، بقولِه: ﴿ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ﴾ [مريم: 30]، فإن الله تعالى لا يُعطِي النبوةَ مَن هو كما زعموا، لعنهم الله وقبَّحهم[15]!
كما قال تعالى: ﴿ وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 156]؛ وذلك أن طائفةً مِن اليهود في ذلك الزمانِ قالوا: إنها حمَلت به مِن زنًا في زمن الحَيْض، لعنَهم الله، فبرَّأها اللهُ مِن ذلك، وأخبر عنها أنها صِدِّيقة، واتَّخذ ولدَها نبيًّا مُرسلًا، أحد أُولي العَزْم الخمسة الكبار، ولهذا قال: ﴿ وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ﴾ [مريم: 31]؛ وذلك أنه حيث كان دعا إلى عبادة الله وحدَه لا شريك له، ونزَّه جنابَه عن النقص والعيب؛ مِن اتخاذِ الصاحبة والوَلَد، تعالى وتقدَّس.
• ﴿ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ﴾، وهذه وظيفةُ العَبيد في القيام بحقِّ العزيز الحميد بالصلاة، والإحسان إلى الخليقةِ بالزكاة، وهي تشتملُ على طهارةِ النفوس مِن الأخلاق الرذيلة، وتطهيرِ الأموال الجَزِيلة بالعطيَّة للمَحاوِيج، على اختلاف الأصناف، وقَرْي الأضياف، والنفقات على الزوجات، والأرقَّاء، والقَرابات، وسائر وُجوه الطاعات وأنواع القُربات.
• ثم قال: ﴿ وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ﴾ [مريم: 32]؛ أي: وجعلني برًّا بوالدتي؛ وذلك أنه تأكد حقُّها عليه، لتمحُّض جهتِها؛ إذ لا والدَ له سواها، فسبحان مَن خلق الخليقة وبرَأَها، وأعطى كلَّ نفسٍ هداها.
• ﴿ وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ﴾ [مريم: 32]؛ أي: لستُ بفظٍّ ولا غليظٍ، ولا يصدُرُ مني قولٌ ولا فعلٌ يُنافي أمرَ الله وطاعتَه.
• ﴿ وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ﴾ [مريم: 33]، وهذه المواطنُ الثلاثةُ التي تقدَّم الكلامُ عليها في قصة يحيى بنِ زكريا عليهما السلام[16].
ثم لما ذكر تعالى قصتَه على الجلية، وبيَّن أمرَه ووضَّحه وشرَحه – قال: ﴿ ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [مريم: 34]؛ كما قال تعالى بعد ذكر قصته، وما كان مِن أمرِه في آل عمران: ﴿ ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ * إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ * فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ ﴾ [آل عمران: 58 – 63].
• ولِهذا لما قدِم وَفْدُ نَجْرانَ…، فجعلوا يُناظِرون في أمر المسيحِ، فأنزل اللهُ صدرَ سورةِ آل عمران في ذلك، وبيَّن أمرَ المسيح وابتداءِ خلقِه وخَلْق أمِّه مِن قبله، وأمَر رسولَه صلى الله عليه وسلم بأن يُباهِلَهم إن لم يستجيبوا له ويتَّبِعوه، فلما رأَوْا عينَيْها وأُذنَيْها نكَصوا وامتَنَعوا عن المُباهَلة، وعدَلوا إلى المُسالمة والمُوادَعة، وقال قائلُهم: يا معشرَ النصارى، لقد علِمتُم أن محمدًا لَنبيٌّ مُرسَلٌ، ولقد جاءكم بالفصلِ مِن خبرِ صاحبِكم، ولقد علِمتُم أنه ما لَاعَنَ قومٌ نبيًّا قط فبَقِي كبيرُهم ولا نبَت صغيرُهم، وإنها لَلاستئصالُ منكم إن فعلتُم، فإن كنتُم قد أبيتُم إلا إِلْفَ دينِكم والإقامةَ على ما أنتم عليه من القول في صاحبِكم؛ فوَادِعُوا الرجلَ وانصرِفوا إلى بلادِكم، فطلَبوا ذلك مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسألوه أن يضرِبَ عليهم جِزْيةً، وأن يبعثَ معهم رجلًا أمينًا، فبعَث معهم أبا عُبيدة بن الجرَّاح، وقد بيَّنَّا ذلك في تفسيرِ آل عمران[17]، وسيأتي بَسْط هذه القضيةِ في السيرة النبوية مِن كتابِنا هذا، إن شاء الله تعالى، وبه الثقة[18].
• والمقصودُ أن الله تعالى لما بيَّن أمرَ المسيح، قال لرسولِه صلى الله عليه وسلم: ﴿ ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ ﴾ [مريم: 34]؛ يعني مِن أنه عبدٌ مخلوقٌ مِن امرأةٍ مِن عباد الله، ولهذا قال: ﴿ مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [مريم: 35]؛ أي: لا يُعجِزُه شيء ولا يَكرُثُه ولا يَؤُودُه[19]، بل هو القديرُ، الفعَّالُ لما يشاء،﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [يس: 82].
• وقوله: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا ﴾ [مريم: 51]:
هو مِن تمام كلامِ عيسى لهم في المهد، أخبرهم أن الله ربُّه وربُّهم، وإلهُه وإلهُهم، وأن هذا هو الصراط المستقيم[20]!
• قال الله تعالى: ﴿ فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾؛ أي: فاختَلَف أهل ذلك الزمان ومَن بعدَهم فيه:
فمِن قائلٍ مِن اليهود: إنه ولد زَنْيةٍ، واستمرُّوا على كفرهم وعنادهم.
وقابلهم آخرون في الكفر، فقالوا: هو اللهُ!
وقال آخرون: هو ابنُ الله!
وقال المؤمنون: هو عبدُ اللهِ ورسولُه وابنُ أَمَتِه، وكلمتُه ألقاها إلى مريم، وروحٌ منه، وهؤلاء هم الناجون المثابون، المُؤيَّدون المنصورون، ومَن خالفهم في شيءٍ مِن هذه القُيود، فهم الكافرون الظالمون، الضالُّون الجاهِلون، وقد توعَّدهم العليُّ العظيم الحكيم العليم، بقولِه: ﴿ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ [مريم: 37].
♦♦ ♦ ♦♦
[باب بيان أن الله تعالى مُنزَّهُ عن الولد][21]:
قال تعالى في آخر هذه السورة: ﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا ﴾ [مريم: 88، 89] ؛ أي: شيئًا عظيمًا، ومنكرًا مِن القول وزورًا.
• ﴿ تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ﴾ [مريم: 90 – 95].
فبيَّن أنه تعالى لا ينبَغي له الولدُ؛ لأنه خالقُ كلِّ شيءٍ ومالكُه، وكلُّ شيءٍ فقيرٌ إليه، خاضعٌ ذليلٌ لديه، وجميعُ سكَّانِ السماوات والأرض عَبيدُه، وهو ربُّهم لا إلهَ إلا هو، ولا ربَّ سواه…، فبيَّن أنه خالقُ كلِّ شيءٍ، فكيف يكونُ له ولدٌ، والولدُ لا يكونُ إلا بين شيئينِ متناسِبينِ! واللهُ تعالى لا نظيرَ له، ولا شبيهَ له، ولا عديلَ له، ولا صاحبةَ له، فلا يكون له ولدٌ!
• وقال تبارك وتعالى وتقدس:
﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا * لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ﴾ [النساء: 171 – 173].
• يَنْهَى تعالى أهلَ الكتاب ومَن شابَههم، عن الغلوِّ والإطراء في الدِّين، وهو مجاوزةُ الحد؛ فالنصارى – لعنهم الله – غلَوْا وأَطْرَوا المسيحَ حتى جاوزوا الحدَّ، فكان الواجبُ عليهم أن يعتقدوا أنه عبدُ الله ورسولُه، وابنُ أَمَتِه العذراءِ البَتُول، التي أحصَنَتْ فَرْجَها، فبعَث اللهُ المَلَك جبريلَ إليها، فنفَخ فيها عن أمرِ الله نفخةً حمَلَت منها بولدِها عيسى عليه السلام…
♦♦ ♦ ♦♦
• [ذكر خبر المائدة][22]:
قال الله تعالى: ﴿ إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ * قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ * قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ﴾ [المائدة: 112- 115].
• قد ذكرنا في التفسيرِ الآثارَ الواردةَ في نزول المائدةِ؛ عن ابن عباسٍ، وسلمانَ الفارسيِّ، وعمَّار بنِ ياسرٍ، وغيرِهم مِن السلفِ[23].
ومضمونُ ذلك أن عيسى عليه السلام، أمرَ الحواريِّينَ بصيام ثلاثين يومًا، فلما أتمُّوها سألوا مِن عيسى إنزالَ مائدةٍ مِن السماءِ عليهم ليأكُلُوا منها وتطمئنَّ بذلك قلوبهم أنَّ الله قد تقبَّل صيامَهم وأجابَهم إلى طَلِبَتهم[24]، وتكونَ لهم عيدًا يفطُرونَ عليها يومَ فِطرِهم، وتكون كافيةً لأوَّلهم وآخرهم، لغنيِّهم وفقيرِهم، فوعَظهم عيسى عليه السلام في ذلك، وخاف عليهم ألَّا يقوموا بشُكْرها، ولا يُؤَدُّوا حقَّ شروطِها، فأبَوْا عليه إلا أن يسألَ لهم ذلك مِن ربِّه عز وجل، فلما لم يُقْلِعوا عن ذلك قام إلى مُصلَّاه…، وتضرَّع إلى اللهِ في الدعاءِ والسؤال، أن يُجابوا إلى ما طَلَبوا، فأنزل الله تعالى المائدةَ مِن السماءِ.
♦♦ ♦ ♦♦
• [ذكر رفع عيسى عليه السلام إلى السماء في حفظ الربِّ، وبيان كذبِ اليهود والنصارى، عليهم لعائن الله، في دعوى الصلب][25]:
• قال الله تعالى: ﴿ وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ * إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾ [آل عمران: 54، 55][26].
فأخبر تعالى أنه رفَعَه إلى السماء، بعدما توفَّاه بالنَّومِ على الصحيحِ المقطوعِ به، وخلَّصه ممن كان أراد أذيَّتَه مِن اليهودِ الذين وَشَوْا به إلى بعضِ الملوك الكَفَرة في ذلك الزمانِ.
قال الحسنُ البصري ومحمد بن إسحاق: كان اسمُه داود بن يورا، فأمر بقتلِه وصَلْبه، فحَصَروه في دارٍ ببيت المَقدِس…، فلما حان وقتُ دخولِهم أُلْقِي شَبَهُه على بعضِ أصحابِه الحاضرينَ عندَه، ورُفِع عيسى مِن رَوْزَنةٍ مِن ذلك البيتِ إلى السماءِ، وأهلُ البيتِ ينظُرونَ، ودخَل الشُّرَطُ فوجدوا ذلك الشابَّ الذي أُلْقِي عليه شَبَهُه، فأخَذوه ظانِّينَ أنه عيسى، فصَلَبُوه ووضَعوا الشَّوكَ على رأسِه إهانةً له، وسلَّم لليهودِ عامَّةُ النصارى – الذين لم يُشاهِدوا ما كان مِن أمرِ عيسى – أنه صُلِب، وضلُّوا بسببِ ذلك ضلالًا مبينًا كثيرًا فاحشًا بعيدًا[27].
وأخبر تعالى بقوله: ﴿ وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ﴾ [النساء: 159]؛ أي: بعد نزولِه إلى الأرضِ في آخرِ الزمانِ قبلَ قيامِ الساعة، فإنه ينزِلُ ويقتُلُ الخِنزير، ويكسِرُ الصليب، ويَضَع الجزية، ولا يقبل إلا الإسلام، كما بيَّنا ذلك بما ورد فيه مِن الأحاديثِ عند تفسير هذه الآية الكريمة مِن سورة النساء[28]، وكما سنُورِدُ ذلك مستقصًى في كتاب ” الفتن والملاحم” عند أخبارِ المسيح الدجَّال[29]…
وهذا ذكرُ ما ورَد في الآثار في صفةِ رفعِه إلى السماء[30]:… عن ابن عباس، قال:
لما أراد الله تعالى أن يرفَعَ عيسى عليه السلام إلى السماءِ، خرَج على أصحابه، وفي البيت اثنا عشرَ رجلًا منهم – مِن الحواريين – فخرَج عليهم مِن عينٍ في البيتِ، ورأسُه يقطُرُ ماءً، فقال: (إن منكم مَنْ يكفُرُ بي اثنتَي عشرةَ مرةً بعد أن آمَن بي)، ثم قال: (أيُّكم يُلقَى عليه شَبَهِي فيُقْتَل مكاني، ويكون معي في درجتي؟)، فقام شابٌّ مِن أحدثهم سنًّا، فقال له: (اجلِسْ)، ثم أعاد عليهم، فقام الشابُّ، فقال: (اجلِسْ)، ثم أعاد عليهم، فقام الشاب، فقال: أنا، فقال: (أنتَ هو ذاك)، فأُلْقِي عليه شَبَهُ عيسى، ورُفِع عيسى مِن رَوْزَنةٍ في البيت إلى السماء، قال: وجاء الطلبُ مِن اليهود، فأخذوا الشَّبَه فقتَلُوه ثم صلبوه، فكفَر به بعضُهم اثنتَي عشرةَ مرةً، بعد أن آمن به، وافترَقُوا ثلاثَ فِرَقٍ:
• فقالت طائفةٌ: كان اللهُ فينا ما شاء ثم صعِد إلى السماء؛ وهؤلاء اليعقوبية.
• وقالت فِرقةٌ: كان فينا ابنُ الله ما شاء، ثم رفعه الله إليه؛ وهؤلاء النَّسْطُوريَّة.
• وقالت فِرقةٌ: كان فينا عبدُ الله ورسولُه ما شاء الله، ثم رفعه الله إليه، وهؤلاء المسلمون.
فتظاهرَتِ الكافرتانِ على المُسلِمةِ فقتلوها، فلم يَزَل الإسلامُ طامسًا حتى بعَث اللهُ محمدًا صلى الله عليه وسلم.
قال ابن عباس: وذلك قولُه تعالى: ﴿ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ ﴾ [الصف: 14]؛ وهذا إسنادٌ صحيحٌ إلى ابن عباسٍ على شرط مسلم، ورواه النسائي عن أبي كريب عن أبي معاوية به نحوه[31]، ورواه ابنُ جَريرٍ عن سلم بن جُنادة عن أبي معاوية[32]، وهكذا ذكر غيرُ واحدٍ مِن السلف…
♦♦♦♦
• [صفةُ عيسى عليه السلام وشمائلُه وفضائلُه][33]:
• قال الله تعالى: ﴿ مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ﴾ [المائدة: 75][34]:
قيل: سُمِّي المسيحُ لمَسْحِه الأرضَ، وهو سياحتُه فيها، وفرارُه بدينِه مِن الفتن في ذلك الزمان؛ لشدة تكذيب اليهودِ له، وافترائهم عليه وعلى أمِّه، عليهما السلام.
وقيل: لأنه كان ممسوحَ القَدَمينِ.
• وقال تعالى: ﴿ وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ ﴾ [المائدة: 46].
• وقال تعالى: ﴿ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ﴾ [البقرة: 87]، والآياتُ في ذلك كثيرةٌ جدًّا…
• عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((رأيتُ عيسى وموسى وإبراهيم، فأما عيسى، فأحمرُ، جَعْدٌ، عَرِيضُ الصَّدرِ…))؛ تفرَّد به البخاري[35]…
• عن أبي هريرة رضي الله عنه[36]، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: ((الأنبياء إِخوةٌ لِعلَّاتٍ، ودينُهم واحدٌ، وأمهاتُهم شتى، وأنا أَوْلى الناس بعيسى ابن مريم؛ لأنه لم يكُنْ بيني وبينه نبيٌّ، وإنه نازلٌ – فإذا رأيتُموه فاعرِفوه، فإنه رجلٌ مَرْبُوعٌ إلى الحُمْرة والبياضِ، سَبْطٌ كأنَّ رأسَه يقطُرُ وإن لم يُصِبْه بَلَلٌ – بين ُمَمصَّرَتينِ، فيَكسِر الصليب، ويقتُل الخنزير، ويضَع الجِزْيَة، ويُعطِّل المِلَل حتى تَهلِكَ في زمانه المِلَلُ كلُّها غيرُ الإسلام، ويُهلِكُ الله في زمانه المسيحَ الدجَّال الكذَّاب، وتَقَعُ الأَمَنَة في الأرض حتى تَرْتَعَ الإبل مع الأُسْدِ جميعًا، والنُّمورُ مع البقر، والذِّئابُ مع الغَنَم، ويلعب الصبيان والغلمان بالحيَّات، لا يضر بعضهم بعضًا، فيمكث ما شاء الله أن يمكث، ثم يُتوفَّى، فيُصلِّي عليه المسلمون ويدفنونه))[37]…
♦♦ ♦ ♦♦
[اختلافُ أصحابِ المسيح عليه السلام بعد رفعه إلى السماء فيه] [38]:
اختلف أصحابُ المسيح عليه السلام – بَعْدَ رفعِه إلى السماء – فيه على أقوال؛ كما قاله ابن عباس وغيرُه مِن أئمة السلف، كما أوردناه عند قوله: ﴿ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ ﴾ [الصف: 14][39].
قال ابن عباسٍ وغيرُه: قال قائلون منهم:
♦ كان فينا عبدُ الله ورسوله، فرفع إلى السماء.
♦ وقال آخرون: هو الله.
♦ وقال آخرون: هو ابن الله.
فالأول هو الحق، والقولانِ الآخران كفرٌ عظيمٌ، كما قال: ﴿ فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ [مريم: 37].
♦ وقد اختَلَفوا في نقلِ الأناجيلِ على أربعةِ أقاويلَ: ما بين زيادةٍ، ونقصانٍ، وتحريفٍ، وتبديلٍ.
ثم بعدَ المسيح بثلاثمائة سنةٍ حدثَت فيه الطامَّةُ العظمى والبَلِيَّة الكُبْرى، اختلف البطاركة الأربعةُ، وجميعُ الأساقفةِ والقساوسة والشمامسة والرَّهابين، في المسيح عليه السلام على أقوال متعدِّدة لا تنحصر ولا تنضبط!
واجتمعوا وتحاكموا إلى الملك قُسْطَنْطِين، باني القسطنطينية، وهم المَجْمَع الأَوَّل، فصار الملكُ إلى قول أكثرِ فِرْقةٍ اتفقت على قول مِن تلك المقالات، فسُمُّوا الملائكة، ودَحَض مَن عداهم وأبعَدَهم.
وتفرَّدت الفِرقةُ التابعةُ لعبدالله بن أديوس، الذي ثبت على أن عيسى عبدٌ مِن عباد الله، ورسولٌ مِن رُسُله، فسكنوا البراري والبوادي، وبنَوا الصوامع والدِّيارات والقَلَّايات، وقنَعوا بالعيش الزهيد، ولم يُخالطوا أولئك المِلَلَ والنِّحَلَ، وبَنَتِ الملائكةُ الكنائسَ الهائلة، عمَدوا إلى ما كان مِن بناء اليُونان، فحوَّلوا محاريبَها إلى الشرق، وقد كانت إلى الشمال إلى الجَدْيِ.
♦♦ ♦ ♦♦
[ذكر نزول عيسى ابن مريم من السماء الدنيا إلى الأرض في آخر الزمان][40]:
♦ قال تعالى: ﴿ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا * وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ﴾[النساء: 157 – 159].
♦ قال ابن جرير في تفسيره[41]: حدثنا ابن بشار، حدثنا عبدالرحمن، حدثنا سفيان، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: ﴿ وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ﴾ [النساء: 159]، قال: قبل موت عيسى ابن مريم، وهذا إسنادٌ صحيحٌ…
وقال أبو مالك: ﴿ وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ﴾: ذلك عند نزول عيسى ابن مريم، لا يَبْقَى أحدٌ مِن أهل الكتاب إلا آمن به.
وقال الحسن البصري: ﴿ وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ﴾: قال: قبل موت عيسى، واللهِ إنَّه الآن حيٌّ عند الله، ولكن إذا نزل آمنوا به أجمعون…
♦ المقصودُ مِن السياق الإخبارُ بحياته الآن في السماءِ، وليس الأمرُ كما يزعُمُه أهل الكتاب الجَهَلة، أنهم صلبوه، بل رفَعَه الله إليه، ثم يَنزِلُ مِن السماء قبل يوم القيامة؛ كما دلَّت عليه الأحاديث المتواترة[42].
والسلامُ على عبدِ الله ورسولِه وكلمتِه المسيحِ عيسى ابن مريم
وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمد وآله وصحبِه والتابعين
والحمدُ للهِ أولًا وآخرًا
[1] البداية والنهاية (2/ 416 – 534) ط/ دار هَجَر.
[2] ينظر: تفسير ابن كثير (2/ 35)، ط/ دار طَيْبة، وتفسير الطبري (6/ 350)، ط/ الرسالة، سنة 2000، وتفسير ابن أبي حاتم (11/ 205)، ط/ مكتبة نزار مصطفى الباز – السعودية، سنة 1419 هـ، وعمدة القاري (17/ 26)؛ لبدر الدين العَيْني، ط/ دار إحياء التراث العربي – بيروت.
[3] رواه البخاري (4548)، وينظر: صحيح مسلم [25 – (2658)].
[4] “السِّدانةُ – بالكسر -: الخِدمةُ”؛ ينظر: المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (1/ 271).
[5] كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: خطَّ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في الأرض أربعةَ خطوطٍ، قال: ((تدرون ما هذا؟))، فقالوا: الله ورسولُه أعلمُ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((أفضلُ نساءِ أهل الجنة: خديجةُ بنتُ خُوَيلد، وفاطمةُ بنتُ محمدٍ، وآسيةُ بنتُ مُزاحِم امرأةُ فرعون، ومريمُ ابنةُ عِمرانَ))؛ رواه أحمد (2668)، وصحَّحه العلامة أحمد شاكر.
[6] البداية والنهاية (2/ 437)، وقد ذكرتُ الأقوالَ في مَوْلدِه الشريفِ عليه الصلاةُالسلامُ، في مقالي: (رأسُ السَّنة الميلاديَّة والاحتفالُ به)، وهو منشورٌ على شبكة الألوكة، في هذا الرابط:
[7] البداية والنهاية (2/ 438).
[8] “(النُّهْيَةُ) – بالضم – : واحدةُ (النُّهَى)، وهي العقولُ؛ لأنها تَنْهَى عن القبيحِ”؛ مختار الصحاح.
[9] ينظر: تفسير الطبري (18/ 165).
[10] ينظر: تفسير الطبري (18/ 173)، وتفسير ابن كثير (5/ 225).
[11] ينظر: تفسير الطبري (18/ 177).
[12] ينظر: سنن أبي داود (2873)، والتنبيه في الفقه الشافعي؛ لأبي إسحاق الشيرازي، ص 67، ط/ عالم الكتب، والمجموع شرح المهذب (6/ 376)؛ للنووي (6/ 376)، ط/ دار الفكر، والمغني لابن قدامة (4/ 481)، ط/ هَجَر، والموسوعة الفقهية الكويتية (5/ 227).
[13] ينظر: تفسير ابن كثير (5/ 227)، وتفسير الطبري (18/ 186).
• والحديث الذي عناه ابنُ كثير وذكره في تفسيره، هو حديثُ المغيرة بن شُعبة، قال: “لما قدِمتُ نجرانَ سألوني، فقالوا: إنَّكم تقرؤون: ﴿ يَا أُخْتَ هَارُونَ ﴾، وموسى قبل عيسى بكذا وكذا، فلما قدِمتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتُه عن ذلك، فقال: ((إنهم كانوا يُسمُّون بأنبيائهم والصالحين قبلَهم))؛ رواه مسلم [9 (2135)].
[14] (المَحْضُ) – بوزن الفَلْس -: اللَّبَنُ الخالص، الذي لم يُخالِطه الماء، حلوًا كان أو حامضًا، و(الزَّبَد) – بفتحتين – مِن البحر وغيره؛ كالرَّغْوَةِ؛ المصباح المنير (1/ 250)، (2/ 565)، ومختار الصحاح.
[15] ينظر: تفسير ابن كثير (3/ 157)، (5/ 228).
[16] قال ابن كثير رحمه الله – في قصة يحيى عليه السلام -:
“هذه الأوقاتُ الثلاثةُ أشدُّ ما تكون على الإنسانِ؛ فإنه ينتقلُ في كلٍّ منها من عالم إلى عالم آخر، فيفقد الأول بعدما كان ألِفَه وعرَفه، ويصير إلى الآخر ولا يدري ما بين يدَيْه، ولهذا يستهلُّ صارخًا إذا خرج مِن بين الأحشاء وفارق لينَها وضمَّها، وينتقِلُ إلى هذه الدارِ ليُكابِد همومَها وغُمومَها، وكذلك إذا فارَق هذه الدارَ وانتقل إلى عالَم البَرْزَخ بَيْنها وبين دارِ القرار، وصار بعد الدُّور والقصور، إلى عَرْصَة الأمواتِ سكَّان القُبور، وانتظَر هناك النفخةَ في الصُّور ليوم البعث والنُّشور، فمِن مسرورٍ ومحبور، ومِن مَحْزون ومثبور، وما بين جَبير ومكسور، وفريقٍ في الجنة وفريق في السَّعير، ولقد أحسن بعضُ الشعراء؛ حيث قال:
ولدَتْك أمُّك باكيًا مستصرخًا
والناسُ حولَكَ يَضْحَكونَ سُرُورا
فاحرِصْ لنفسِكَ أن تكونَ إذا بكَوا
في يومِ موتِكَ ضاحكًا مسرورًا
|
ولما كانت هذه المواطنُ الثلاثة أشقَّ ما تكون على ابن آدم؛ سلَّم الله على يحيى في كل موطن منها، فقال: ﴿ وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ﴾ [مريم: 15]”؛ البداية والنهاية (2/ 401، 402).
[17] ينظر: تفسير ابن كثير (2/ 52 – 55).
[18] البداية والنهاية (7/ 268 – 271).
[19] “(كَرَثَه) الأمرُ والغَمُّ، (يَكْرِثُه) بالكسر، (وَيَكْرُثُه) بالضم؛ (كَرْثًا): ساءَه واشتد عليه وبلغ منه المشقة”؛ تاج العروس (5/ 332)، “وآدَه الأمرُ أَوْدًا – وأُؤُودًا كقُعُودٍ -: بلغ منه المجهود والمشقة، وفي التنزيل: ﴿ وَلَا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا ﴾ [البقرة: 255]، قال أهل التفسير واللغة معًا: معناه ولا يَكرُثُه ولا يُثقِلُه ولا يشقُّ عليه”؛ تاج العروس (7/ 395).
[20] وفي التفسير جعَله مِن قول الله تبارك وتعالى؛ حيث قال: “لما ذكَر تعالى إبراهيمَ الخليلَ وأثنى عليه، عطف بذكرِ الكَلِيم، فقال: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا ﴾ [مريم: 51]…”؛ تفسير ابن كثير (5/ 237).
[21] البداية والنهاية (2/ 454 – 464).
[22] البداية والنهاية (2/ 491).
[23] ينظر: تفسير ابن كثير (3/ 225 – 231)، والطبري (11/ 222).
[24] “الطَّلِبَةُ – بكسر اللام – : الشيءُ المطلوبُ”؛ مختار الصحاح.
[25] البداية والنهاية (2/ 507).
[26] ينظر: تفسير ابن كثير (2/ 47)، والتمهيد لابن عبدالبر (14/ 203)، وفتح الباري لابن حجر (6/ 493).
[27] ينظر: تفسير ابن كثير (2/ 450).
[28] ينظر: تفسير ابن كثير (2/ 454).
[29] البداية والنهاية (19/ 150، 216 – 232).
[30] البداية والنهاية (2/ 509).
[31] في الكبرى ( 11703) (13/ 463) ط/ دار التأصيل – القاهرة/ سنة 2012م.
[32] تفسير الطبري (23/ 367)، وتفسير ابن كثير (2/ 450) (8/ 114).
[33] البداية والنهاية (2/ 519).
[34] تفسير ابن كثير (2/ 43).
[35] البخاري (3438).
[36] البداية والنهاية (2/ 2519).
[37] مسند أحمد (9632).
[38] البداية والنهاية (2/ 531).
[39] تفسير ابن كثير (8/ 113).
[40] البداية والنهاية (19/ 217).
[41] تفسير الطبري (9/ 380).
[42] ينظر على سبيل المثال: البخاري (2222)، ومسلم [247 (156)] كتاب الإيمان، باب 71 – باب نزول عيسى ابن مريم حاكما بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.