صَيد الحَرَم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد: في هذا البحث خمس مسائل:
المسألة الأولى: المراد بالصيد.
المسألة الثانية: حكم صيد الحرم.
المسألة الثالثة: جزاء قتل الصيد للمُحْرِم والحلال.
المسألة الرابعة: الفرق بين العمد والخطأ.
المسألة الخامسة: إدخال الصيد للحرم.
المسألة الأولى
المراد بالصَّيد
نهى الله تعالى عن قتل الصيد في الحرم في قوله سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ﴾ [المائدة:٩٥]، فما هو المقصود بالصيد هنا؟
المراد بالصيد في الآية ما تحقق فيه ثلاثة أمور:
• الأول: أن يكون الصيد مباحاً أكله.
قال الإمام أحمد – رحمه الله: (إنما جُعلت الكفارة في الصيد المُحلَّل أكله)[1].
• الثاني: أن يكون الصيد وحشيًّا.
لا خلاف بين العلماء: أنَّ غيرَ الوحشي؛ كبهيمة الأنعام، والخيلِ، والدجاجِ، ونحوِ ذلك، لا يَحْرُم على المُحْرِم ذبحُها، ولا أكلُها أيضاً؛ لأنَّها ليست بوحشي، نَقَلَ ذلك: ابن حزم[2]، وابن قدامة[3]، وابن حجر، وغيرهم.
قال ابن حجر – رحمه الله -: (واتفقوا: على أن المراد بالصيد ما يجوز أكله للحلال، من الحيوان الوحشي، وألاَّ شيء فيما يجوز قتله)[4].
• الثالث: أن يكون الصيد بريًّا ليس بمائي.
قال الله تعالى: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا ﴾ [المائدة: ٩٦].
قال ابن العربي – رحمه الله -: (لمَّا قال الله تعالى: ﴿ لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ﴾ [المائدة:٩٥] جرى عمومُه على كلِّ صيدٍ بري وبحري، حتى جاء قوله تعالى: ﴿ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا ﴾ [المائدة: ٩٦]. فأباح صيدَ البحر إباحة مطلقة، وحرَّم صيدَ البر على المُحرِمين، فصار هذا التقسيم والتنويع دليلاً على خروج صيد البحر من النهي)[5].
وإباحة صيد البحر للمُحرِم محل إجماع بين العلماء، نقله: ابن المنذر[6]، وابن حزم[7]، وابن قدامة[8]، وغيرهم.
المسألة الثانية
حكم صيد الحرم
أجمع العلماء: على تحريم صيد الحرم على الحلال والمُحْرِم[9].
• الأدلة:
1- ما جاء عن ابن عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما -؛ قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يوم فَتْحِ مَكَّةَ: (إِنَّ هذا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ الله لاَ يُعْضَدُ شَوْكُهُ، ولا يُنَفَّرُ[10] صَيْدُهُ…)[11].
2- ما جاء عن أبي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – قال: لَمَّا فَتَحَ الله على رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ، قام في الناس فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عليه ثُمَّ قال: (… فلا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا)[12].
وجه الدلالة: التصريح بتحريم صيد الحرم على الحلال والمُحْرِم.
3- ما جاء عن عِكْرِمَةَ مولى ابن عباس قال: (هل تَدْرِي ما لاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، هو أَنْ يُنَحِّيَهُ من الظِّلِّ، يَنْزِلُ مَكَانَهُ)[13].
• ما جاء عن أهل العلم في ذلك:
1- قال النووي – رحمه الله -: (قال العلماء: ونبه صلى الله عليه وسلم بالتنفير على الإتلافِ ونحوِه؛ لأنه إذا حَرُمَ التنفير فالإتلاف أَولى)[14].
2- وقال ابن القيم – رحمه الله -: (لا يُنفِّره عن مكانه؛ لأنه حيوان مُحترم في هذا المكان، قد سبق إلى مكانٍ، فهو أحقُّ به)[15].
3- قال المحب الطبري – رحمه الله -: (ولا خلاف: أنه لو نفَّره وسلِم، فلا جزاء عليه، لكنه يأثم بارتكابه النهي، فلو أتلفه أو تلف بتنفيره، وجب جزاؤه)[16].
• دليل الإجماع:
حكى الإجماعَ على تحريم صيد الحرم على الحلال والمُحْرِم غيرُ واحد من أهل العلم، وممن حكاه: ابن المنذر، وابن حزم، والنووي، وابن قدامة[17]، وغيرهم.
1- قال ابن المنذر – رحمه الله -: (أجمعوا: على أن صيد الحرم حرام على الحلال والحرام)[18].
2- قال ابن حزم – رحمه الله -: (أجمعوا: على أن التصيد في حرم مكة لصيد البَرِّ الذي يؤكل حرام)[19].
3- قال النووي – رحمه الله -: (وأما صيد الحرم: فحرام بالإجماع على الحلال والمُحْرِم؛ فإن قَتَله فعليه الجزاء عند العلماء كافة)[20].
المسألة الثالثة
جزاء قتل الصيد للمُحرِم والحلال
• أولاً: جزاء قتل الصيد للمُحرِم.
اتفق العلماء: على وجوب الجزاء على المُحرِم الذي يقتل الصيد في الحرم.
• الدليل:
قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ ﴾ [المائدة:٩٥].
وجه الدلالة: التصريح بوجوب الجزاء على مَنْ قتل صيداً في الحرم وهو محرم.
• دليل الإجماع:
حكى الإجماعَ على وجوب الجزاء على المُحرِم الذي يقتل الصيد في الحرم غيرُ واحد من أهل العلم، وممن حكاه: ابن رشد[21]، وابن قدامة، وابن بطال[22]، وغيرهم.
قال ابن قدامة – رحمه الله: (وجوب الجزاء على المُحْرِم بقتل الصيد في الجملة، وأجمع أهل العلم على وجوبه، ونص الله تعالى عليه)[23].
• ثانياً: جزاء قتل الصيد للحلال.
اختلف العلماء: فيمَنْ قتل صيداً في الحرم وهو حلال، هل عليه الجزاء؟ على قولين، والراجح: فيه الجزاء، وهو قول الجمهور، ومنهم الأئمة الأربعة[24].
• الأدلة:
1- قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ ﴾ [المائدة:٩٥].
وجه الدلالة: قياساً على جزاء الصيد في حق المُحْرِم؛ لأن صيد الحرم مُنِع لحقِّ الله تعالى، فأشبه صيدَ الإحرام، لذا أُلحق به في الكفارة[25].
قال الشربيني – رحمه الله: (وقيس بالمُحرِم الحلال في الحرم، بجامع حرمة التعرض)[26].
وقال ابن قدامة – رحمه الله – في صيد الحرم: (ولأنه صيد ممنوع منه لحقِّ الله تعالى، أشبه الصيد في حق المُحْرِم)[27].
2- قوله تعالى: ﴿ لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ﴾ [المائدة:٩٥].
وجه الدلالة: أن قوله تعالى: ﴿ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ﴾ يتناول الحال؛ وهو: الإحرام، والمكان؛ وهو: الحرم.
قال ابن العربي – رحمه الله – في قوله تعالى: ﴿ لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ﴾: (عام في التحريم بالزمان، وفي التحريم بالمكان، وفي التحريم بحالة الإحرام، إلاَّ أن تحريم الزمان خرج بالإجماع عن أن يكون معتبراً، وبقي تحريم المكان، وحالة الإحرام على أصل التكليف)[28].
3- ورود الجزاء – في كفارة صيد الحرم على الحلال – عن جمع من الصحابة – رضي الله عنهم -، ومنهم الخليفتان الراشدان عمر وعثمان – رضي الله عنهما -، ولا مخالف لهم في ذلك فكان إجماعاً[29].
• ومن أهم الآثار الثابتة ما يلي:
أ- ما جاء عن نَافِعِ بنِ عبد الحارثِ قال: (قَدِمَ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ – رضي الله عنه – مَكَّةَ، فَدَخَلَ دَارَ النَّدْوَةِ في يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَأَرَادَ أَنْ يَسْتَقْرِبَ منها الرَّوَاحَ إلَى الْمَسْجِدِ، فَأَلْقَى رِدَاءَهُ على وَاقِفٍ في الْبَيْتِ، فَوَقَعَ عليه طَيْرٌ من هذا الْحَمَامِ، فَأَطَارَهُ، فَانْتَهَزَتْهُ حَيَّةٌ فَقَتَلَتْهُ، فلما صَلَّى الْجُمُعَةَ دَخَلْتُ عليه أنا وَعُثْمَانُ بن عَفَّانَ – رضي الله عنه -، فقال: اُحْكُمَا عَلَيَّ في شَيْءٍ صَنَعْتُهُ الْيَوْمَ، إنِّي دَخَلْت هذه الدَّارَ، وَأَرَدْتُ أَنْ أَسْتَقْرِبَ منها الرَّوَاحَ إلَى الْمَسْجِدِ، فَأَلْقَيْتُ رِدَائِي على هذا الْوَاقِفِ، فَوَقَعَ عليه طَيْرٌ من هذا الْحَمَامِ، فَخَشِيتُ أَنْ يُلَطِّخَهُ بِسَلْحِهِ فَأَطَرْته عنه، فَوَقَعَ على هذا الْوَاقِفِ الآخَرِ، فَانْتَهَزَتْهُ حَيَّةٌ فَقَتَلَتْهُ، فَوَجَدْتُ في نَفْسِي أَنِّي أَطَرْتُه من مَنْزِلَةٍ كان فيها آمِنًا، إلَى مَوْقِعَةٍ كان فيها حَتْفُهُ، فَقُلْت لِعُثْمَانَ – رضي الله عنه -: كَيْفَ تَرَى في عَنْزٍ ثَنِيَّةٍ عَفْرَاءَ[30] نَحْكُمُ بها على أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؟ قال: إني أَرَى ذلك، فَأَمَرَ بها عُمَرُ – رضي الله عنه -)[31].
ب- ما جاء عن صالح بن المهدي؛ أن أباه أخبره قال: (حججتُ مع عثمان – رضي الله عنه -، فقدمنا بمكة ففرشتُ له في بيت فرقد، فجاءت حمامة فوقعت في كوة على فراشه، فجعلت تبحث برجليها فخشيت أن تنثر على فراشه فيستيقظ، فأطرتها، فوقعت في كوة أخرى، فخرجت حية فقتلتها، فلما استيقظ عثمان – رضي الله عنه – أخبرتُه، فقال: أَدِّ عَنْكَ شَاةً. فَقُلْتُ: إنَّمَا أَطَرْتهَا من أَجْلِك! قال: وَعَنِّي شَاةٌ)[32].
ج- ما جاء عن ابن عباس – رضي الله عنهما -: (أنه جعل في حمام الحرم، على المُحْرم والحلال، في كلِّ حمامةٍ شاة)[33].
ومن طريق آخَرَ عن ابن عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما -: (أَنَّهُ قَضَى في حَمَامَةٍ من حَمَامِ مَكَّةَ بِشَاةٍ)[34].
قال الشَّافِعِيُّ – رحمه الله -: (وقال ذلك: عُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَنَافِعُ بن عبد الحارث، وَعَبْدُ اللَّهِ بنُ عُمَرَ، وَعَاصِمُ بن عُمَرَ، وَسَعِيدُ بن الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٌ)[35].
المسألة الرابعة
الفرق بين العمد والخطأ
اختلف العلماء: في كفارة قتل الصيد، هل هي واجبة الجزاء على المتعمد والمخطئ؟ على قولين، والراجح: لا كفارة على مَنْ قتل صيداً خطأً، وقال به: الإمام أحمد في إحدى روايتيه[36]، ورجَّحه: ابن المنذر[37]، وابن حزم[38]، وابن الجوزي[39]، واختاره من المتأخرين: السعدي[40]، وابن باز[41]، وابن عثيمين[42].
• الأدلة:
1- قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ ﴾ [المائدة:٩٥].
وجه الدلالة: اشتراط العمد في وجوب الكفارة، ومفهوم المخالفة أن غير المتعمد لا شيء عليه.
قال ابن عثيمين – رحمه الله: (و﴿ مُتَعَمِّدًا ﴾ وصْفٌ مناسب للحكم، فوجب أن يكون معتبراً؛ لأن الأوصاف التي عُلِّقت بها الأحكام إذا تبين مناسبتها لها صارت علة موجبة، يوجد الحكم بوجودها وينتفي بانتفائها، وإلاَّ لم يكن للوصف فائدة، فالآية نصٌّ في الموضوع)[43].
وقال ابن باز – رحمه الله: (صريح القرآن يدل على أن الفدية لا تلزم إلاَّ المتعمِّد، وهذا هو الأظهر؛ ولأن المُحْرِم قد يُبتلى بذلك من غير قصد، ولا سيما بعد وجود السيارات، وقد قال الله سبحانه: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: ١٨٥])[44].
2- ما جاء عن قَبيصَةَ بنِ جَابِرٍ الأَسَدِيِّ قَالَ: (خَرَجْنَا حُجَّاجَاً فَكَثُرَ مِرَاؤُنَا، وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ: أَيُّهُمَا أَسْرَعُ شَدَّاً، الظَّبْيُ أَمِ الْفَرَسُ؟ فَبَيْنَمَا نَحْنُ كَذلِكَ إِذْ سَنَحَ لَنَا ظَبيٌ فَرَمَاهُ رَجُلٌ مِنَّا بِحَجَرٍ، فَمَا أَخْطَأَ خُشَشَاءَهُ[45]، فَرَكِبَ رَدْعَهُ[46] فَقَتَلَهُ، فَسَقَطَ في أَيْدِينَا، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ، انْطَلَقْنَا إِلى عُمَرَ، فَقَصَّ صَاحِبي عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَسَأَلَهُ عُمَرُ – رضي الله عنه -: كَيْفَ قَتَلَهُ عَمْدَاً أَوْ خَطَاً؟ فَقَالَ: لَقَدْ تَعَمَّدْتُ رَمْيَهُ، وَمَا أَرَدْتُ قَتْلَهُ، فَقَالَ عُمَرُ- رضي الله عنه -: لَقَدْ شَرَكَ الْعَمْدُ الْخَطَأَ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلى رَجُلٍ إِلى جَنْبِهِ فَكَلَّمَهُ سَاعَةً، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلى صَاحِبِي فَقَالَ لَهُ: خُذْ شَاةً مِنَ الْغَنمِ، فَأَهْرِقْ دَمَهَا، وَتَصَدَّقْ بِلَحْمِهَا، وَأسْقِ إِهَابَهَا سِقَاءً)[47].
ومن طريق آخر عن قَبِيصَةَ بن جَابِرٍ الأَسَدِيِّ؛ أَنَّهُ سمع عُمَرَ بن الْخَطَّابِ، وَمَعَهُ عبد الرحمن بن عَوْفٍ، وَعُمَرُ يَسْأَلُ رَجُلاً، قَتَلَ ظَبْيًا، وهو مُحْرِمٌ، فقال له عُمَرُ: عَمْدًا قَتَلْتَهُ أَمْ خَطَأً؟ فقال له الرَّجُلُ: لقد تَعَمَّدْت رَمْيَهُ، وما أَرَدْت قَتْلَهُ. فقال له عُمَرُ: ما أَرَاك إلاَّ أَشْرَكْت بين الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، اعمد إلَى شَاةٍ فَاذْبَحْهَا، فَتَصَدَّقْ بِلَحْمِهَا، وَأَسْقِ إهَابَهَا)[48].
وجه الدلالة: التفريق بين العمد والخطأ في كفارة قتل الصيد؛ حيث إن عمر – رضي الله عنه – فرَّق بين الخطأِ والعمد، ولم ينكر ذلك عبد الرحمن بن عوف – رضي الله عنه -.
قال ابن حزم – رحمه الله – بعد أن ساق الخبر: (فَلَوْ كان الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ في ذلك سَوَاءً عِنْدَ عُمَرَ وَعَبْدِ الرحمن – رضي الله عنهما -، لَمَا سَأَلَهُ عُمَرُ أَعَمْدًا قَتَلْتَهُ أَمْ خَطَأً؟ ولم يُنْكِرْ ذلك عبد الرحمن – رضي الله عنه -؛ لأنه كان يَكُونُ فُضُولاً من السُّؤَالِ لاَ مَعْنَى له)[49].
المسألة الخامسة
إدخال الصيد للحرم
اختلف العلماء: في حكم إدخال صيد الحل إلى الحرم، على قولين، والراجح: جواز إدخال صيد الحل للحرم، وقال به: الإمامان مالك[50]، والشافعي[51]، ورجحه ابن المنذر[52]، وابن حزم[53].
• الأدلة:
1- ما جاء عن صَالِحِ بن كَيْسَانَ – رحمه الله – قال: (رَأَيْت الصَّيْدَ يُبَاعُ بِمَكَّةَ حَيًّا في إمَارَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ- رضي الله عنهما -)[54].
2- ما جاء عن حماد بن زيد قال: (قيل لهشام بن عروة: إن عطاءً يكره ذبح الدَّواجن، فقال: وما عِلْمُ ابن أبي رباح؟ هذا أمير المؤمنين بمكة يرى القماري[55] والدباسي[56] في الأقفاص، يعني: ابنَ الزبير- رضي الله عنهما-)[57].
وجه الدلالة: رؤية ابن الزبير – رضي الله عنهما – الصيد يباع بمكة في الأقفاص، ولم ينكر ذلك، فدل على جواز إدخال صيد الحل للحرم.
3- الأصل جواز إدخال صيد الحل للحرم، ولا شيء يصرفه للحرمة إلاَّ بدليل، وفيه تيسير على أهل مكة والحجاج. و(لأنهم لو مُنِعوا ذلك لشقَّ عليهم لطول أمرهم)[58].
——————————————————————————–
[1] المغني، (3/ 266).
[2] انظر: مراتب الإجماع، (ص44).
[3] انظر: المغني، (3/ 267).
[4] فتح الباري، (4/ 21).
[5] أحكام القرآن، (2/ 175).
[6] انظر: الإجماع، (ص51).
[7] انظر: مراتب الإجماع، (ص44).
[8] انظر: المغني، (3/ 270).
[9] انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، (9/ 125)؛ المغني، (3/ 344)؛ إعلام الساجد بأحكام المساجد، (ص154).
[10] (لا يُنَفَّرُ): أي: لا يُزعج من مكانه، ولا يُقصد إلى إزالته. وقيل: أن يُنَحَّى من الظلِّ، ويُنْزَل مكانُه. انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم، لمحمد بن أبي نصر (1/ 150).
[11] رواه البخاري، (2/ 575)؛ ومسلم، (2/ 986)، (ح1353).
[12] رواه البخاري، (2/ 857)، (ح2302)؛ ومسلم، (2/ 988)، (ح1355).
[13] رواه البخاري، (2/ 651)، (رقم1736).
[14] شرح النووي على صحيح مسلم، (9/ 126).
[15] زاد المعاد، (3/ 453).
[16] القِرى لقاصد أم القرى، (ص642).
[17] المغني، (3/ 351).
[18] الإجماع، (ص57).
[19] مراتب الإجماع، (ص46).
[20] شرح النووي على صحيح مسلم، (9/ 125).
[21] انظرِ: بداية المجتهد، (2/ 358).
[22] فتح الباري، (4/ 21).
[23] المغني، (3/ 265).
[24] انظر: المبسوط، (4/ 97)؛ البناية، (4/ 306)؛ الموطأ، (1/ 356)؛ مواهب الجليل، (4/ 255)؛ شرح النووي على صحيح مسلم، (9/ 125)؛ فتح الباري، (4/ 21)؛ المغني، (3/ 166)؛ الإقناع، (1/ 605).
[25] انظر: المنتقى، (3/ 448)؛ المهذب، (1/ 398)؛ الفروع، (3/ 472).
[26] مغني المحتاج، (1/ 524).
[27] انظر: المغني، (3/ 166).
[28] أحكام القرآن، (2/ 175).
[29] انظر: الحاوي الكبير، للماوردي (4/ 315)؛ المنتقى، (3/ 439)؛ الذخيرة، (3/ 325)؛ المغني، (3/ 265).
[30] العفراء: البيضاء، وهي التي يعلو بياضَها حمرة؛ كلون الأرض، وليس البياضُ الناصع الشديد. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، (3/ 261).
[31] رواه الشافعي في (مسنده)، (ص135)، وفي (الأم)، (2/ 195)؛ وعبد الرزاق في (مصنفه)، (4/ 415)، (رقم8268)؛ والفاكهي في (أخبار مكة)، (3/ 387)، (رقم2270)؛ والبيهقي في (الكبرى)، (5/ 205)، (رقم9782)؛ وصححه النووي في (المجموع)، (7/ 440)؛ وحسَّن إسنادَه ابن حجر في (تلخيص الحبير)، (2/ 285).
[32] رواه ابن أبي شيبة في (مصنفه)، (3/ 178)، (رقم13221)، وله شواهد أخرى يُقوِّي بعضها بعضاً. انظر: أخبار مكة، للأزرقي، (2/ 142)؛ وأخبار مكة، للفاكهي، (3/ 386)، (رقم2269)؛ مصنف عبد الرزاق، (4/ 418)، (رقم8284).
[33] رواه البيهقي في (الكبرى)، (5/ 205)؛ وابن الملقن في (البدر المنير)، (6/ 404).
[34] رواه الشافعي في (الأم)، (2/ 207)؛ وعبد الرزاق في (مصنفه)، (4/ 414)، (رقم8265)؛ والأزرقي في (أخبار مكة)، (2/ 141)؛ والفاكهي في (أخبار مكة)، (3/ 283)، (رقم2255). وصحح إسناده النووي في (المجموع)، (7/ 440)، والألباني في الإرواء، (4/ 247)، (رقم1056).
[35] الأم، (2/ 207).
[36] انظر: المغني، (3/ 505)؛ الفروع، (3/ 398).
[37] انظر: الإقناع، (1/ 215).
[38] انظر: المحلى، (7/ 214).
[39] انظر: الفروع، (3/ 463).
[40] انظر: تيسير الكريم الرحمن، (ص244).
[41] انظر: مجموع فتاوى ومقالات، (17/ 204).
[42] انظر: الشرح الممتع، (7/ 231).
[43] الشرح الممتع، (7/ 226).
[44] مجموع فتاوى ومقالات، (17/ 204).
[45] الخُشاء والخُشَشَاء: عظم دقيق عارٍ من الشعر، ناتئ خلف الأذن. انظر: لسان العرب، (5/ 72).
[46] الرَّدْع: هو العنق، والمعنى: سقط على رأسه فاندقت عنقه. انظر: المعجم الوسيط، (1/ 338).
[47] رواه عبد الرزاق في (مصنفه)، (4/ 407)، (رقم8240)؛ والطبري في (تفسيره)، (7/ 48)؛ والطبراني في (الكبير)، (1/ 127)، (رقم259)؛ والبيهقي في (الكبرى)، (5/ 181)، (رقم9642)؛ وأبو القاسم في (تاريخ دمشق)، (49/ 244)، وقال الهيثمي في (مجمع الزوائد)، (3/ 232): (رواه الطبراني في الكبير، ورجاله ثقات)؛ وصححه النووي في (المجموع)، (7/ 425)؛ والألباني في (الإرواء)، (4/ 245)، (رقم1052).
[48] رواه ابن حزم في (المحلى)، (7/ 214).
[49] المحلى، (7/ 214).
[50] انظر: الكافي في فقه أهل المدينة، (ص155)؛ مواهب الجليل، (4/ 251).
[51] انظر: المهذب، (1/ 399)؛ مغني المحتاج، (2/ 301).
[52] انظر: الإقناع، لابن المنذر (1/ 218).
[53] انظر: المحلى، (7/ 248).
[54] رواه عبد الرزاق في (مصنفه)، (4/ 426)، (رقم8318)؛ وابن حزم في (المحلى)، (7/ 252)، وإسناده صحيح.
[55] القمري: نوع من الحمام، حسن الصوت، جمعه: قمر، والأنثى: قمرية. انظر: لسان العرب، (5/ 115)؛ المعجم الوسيط، (2/ 758).
[56] الدبسي: ضرب من الحمام، جاء على لفظ المنسوب وليس بمنسوب. انظر: لسان العرب، (6/ 76).
[57] رواه الفاكهي في (أخبار مكة)، (3/ 380)، (رقم2250)، وإسناده صحيح.
[58] مواهب الجليل، (3/ 178).