شرح حديث سفيان بن عبد الله الثقفي: قل لي في الإسلام قولًا
عَنْ أبي عمرو – وقيل: أبي عمرة – سفيان بن عبد الله رضي الله عنه، قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ قُلْ لي في الإسْلامِ قولًا لا أسألُ عنه أحدًا غيرَك؟ قال: «قُلْ: آمنتُ باللهِ، ثمَّ اسْتقِمْ». رواه مُسلمٌ.
قال العلَّامةُ ابنُ عثيمين – رحمَه الله -:
قولُه: «قلْ لي في الإسلام قولًا لا أسألُ عنه أحدًا غيرَك»؛ أي: قلْ لي قولًا لا أسألُ عنه أحدًا غيرَك، فيكون فصلًا وحاسًما، ولا يحتاج إلى سؤالِ أحدٍ، فقال له النَّبيُّ صلي الله عليه وسلم: «قُلْ: آمنْتُ باللهِ، ثمَّ استقِمْ».
فقوله – عليه الصلاة والسلام -: «قلْ: آمنتُ» ليس المراد بذلك مجرَّد القول باللسان، فإن من الناس من يقول: آمنتُ بالله واليوم الآخر، وما هم بمؤمنين. ولكن المراد بذلك قول القلب واللسان أيضا. أي: أن يقول الإنسان بلسانه، بعد أن يُقرَّ ذلك في قلبه، ويعتقدَه اعتقادًا جازمًا لا شك فيه؛ لأنه لا يكفي الإيمان بالقلب، ولا الإيمان باللسان، لابدَّ من الإيمان بالقلب واللسان؛ ولهذا كان النبيُّ عليه الصلاة والسلام – يقول وهو يدعو الناس إلي الإسلام – يقول: «يا أيُّها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا»، فقال: «قولوا»، أي: بألسنتكم. كما أنَّه لا بدَّ من القول بالقلبِ.
وقوله: «آمنتُ بالله»، يشمل الإيمان بوجود الله عزَّ وجلَّ، وبربوبيته، وبألوهيته، وبأسمائه وبصفاته، وبأحكامه، وبأخباره، وكل ما يأتي من قبله – عزَّ وجلَّ – تؤمن به، فإذا آمنت بذلك فاستقم علي دين الله، ولا تحد عنه يمينًا ولا شمالًا، لا تقصر ولا تزد. فاستقم على الدين، واستقم على شهادة أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله، وذلك بالإخلاص لله عزَّ وجلَّ، والمتابعة لرسول الله صلي الله عليه وسلم، واستقم على الصلاة، وعلى الزكاة، والصيام والحج، وعلى جميع شريعة الله.
وقوله: «قلْ آمنتُ باللهِ ثمَّ»، دليل علي أن الاستقامة لا تكون إلا بعد الإيمان، وأن من شرط الأعمال الصالحة، أي: من شرط صحَّتها وقبولها أن تكون مبنيَّةً على الإيمان، فلو أن الإنسان عمل بظاهره على ما ينبغي، ولكن باطنه خراب، وفي شكٍّ، أو في اضطراب، أو في إنكار وتكذيب، فإنَّ ذلك لا ينفعه، ولهذا اتفق العلماء – رحمهم الله – على أنَّ من شروط صحَّة العبادة وقبولها، أن يكون الإنسان مؤمنًا بالله، أي: معترفًا به، وبجميع ما جاء من قِبله تبارك وتعالى.
ويستفاد من هذا الحديث: أنَّه ينبغي للإنسان – إذا قام بعمل – أن يشعر بأنَّه قام به لله، وأنه يقوم به بالله، وأنه يقوم به في الله، لأنه لا يستقيم علي دين الله إلا بعد الإيمان بالله عزَّ وجلَّ، فيشعر بأنه يقوم به لله؛ أي مخلصًا، وبالله أي مستعينًا، وفي الله أي متَّبعًا لشرعه. وهذه مستفادة من قوله تبارك وتعالى: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ فالأول: قيام لله، والثاني: قيام به، والثالث: قيام فيه، أي: في شرعه، ولهذا نقول: إنَّ المراد بالسراط المستقيم – في الآية الكريمة – هو شرع الله عزَّ وجلَّ الموصل إليه. والله الموفق.
المصدر: «شرح رياض الصالحين» (1 / 571 – 573)