يهاجم الخصوم الإسلام بكل ما فيه، من عقائد وشرائع، بل وأخلاق. وباعثهم في ذلك، ليس إلا الحقد أو الجهل، فالإسلام هو دين الله الحق، ولا يراه باطلا إلا جاهل أو حاقد، والجاهلون له قليلون إذا ما قيسوا بحاقديه الأكثرين.
أغلب العداء للإسلام عن حقد، وأقله عن جهل .يُجمل الخصوم في هجومهم على الإسلام في العموم، ويفصّلون بعد ذلك في كل جزئية، إذا ما ظنوا فيها النقص والخطأ ، أو توهموا ذلك.
فأما عن الحج فيقولون فيه:
1_ وثنيته.
يقولون: إن الإسلام قد جاء_ كما يدّعي_ من أجل أن يُبطل الوثنية.
والوثنية هي عبادة الأحجار وتقديسها وتقديم القرابين لها.
وما الحج إلا ذلك: طواف حول حجر (الكعبة)، وسعي بين حجر وحجر (الصفا والمروة)، وتقبيل لحجر (الحجر الأسود)، ووقوف على حجر (جبل عرفات)، ورمي حجر بحجر (رمي الجمار).
فلا فارق يُذكر بين الحج والوثنية، ونستطيع أن نقول في ذلك: إن الإسلام قد أبطل الوثنية بشكلها المعهود في الجاهلية، وجاء بوثنية أخرى، لها طقوسها ومناسكها الخاصة.
ولهؤلاء نقول: الوثنية هي عبادة الأحجار، وليست مجرد تقديسها، وفرقٌ كبير بين العبادة والتقديس.
فعبادة الأحجار تعني التوجه لها بالمناسك والعبادات، ظناً في نفعها وضرّها، وكأنها هي الرب والإله.
أما التقديس فهو التعظيم لما عظمه الله منها، والإتيان بالعبادات عندها كما أمر سبحانه وتعالى، مع اليقين بأنها مجرد أحجار لا تنفع ولا تضر، وبأن الأمر ليس إلا تقديساً لما أمر الله بتقديسه، والتعبد حيث أمر الله بالتعبد.
فرقٌ كبير بين أن تذهب للحجر وتسجد له على أنه الإله، وبين أن تذهب للحجر وتسجد عنده لأن الله هو الذي أمرك بذلك.
وفي هذه يأتي الموقف المشهور لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، عندما قبّل الحجر الأسود ثم قال: والله إني لأعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك.
فرقٌ كبير بين أن تذهب للحجر وتسجد له على أنه الإله، وبين أن تذهب للحجر وتسجد عنده لأن الله هو الذي أمرك بذلك
2_ دمويته.
يقولون: إن الذبح في الحج، وفي عيد الأضحى عموما، هو ذبح فيه دموية بغيضة، فهو مذبحة عالمية للحيوانات، مذبحة تشمئز منها النفوس السوية، وتبكي شفقة على هذه الحيوانات الضعيفة المظلومة.
ولقد قادت إحدى الممثلات الغربيات حملة عالمية ضد الذبح عند المسلمين في الحج وعيد الأضحى.
والغريب أن تجد هذه الدعوات صدى عند المسلمين كذلك، فيخرج البعض من المتغربين المسلمين ليستنكر ويرفض ذلك الذبح، فيجعل من نفسه ندا لله، يحرم ما أحل، ويرفض ما أقر.
ولهؤلاء نقول: إن ما تقولونه في هذه هو أتفه من أن يُهتم به ويُرد عليه، وهو سخف وعته.
فالحيوانات التي تذبحونها في كل يوم، وتأكلونها بكل طريقة، تنكرون على المسلمين ذبحها، وجعل يوم لذلك!
الحيوانات تُذبح عندنا وعندكم في كل يوم، فماذا إن جعلنا لها يوما خاصا، تُذبح فيه وتُعطى للفقراء والمساكين والمعدمين.
وهنا يكمن الفرق: بين مسلمين يهتمون لأمر الإنسان وحاجته، ويمدون إليه أيديهم يعينونه على فقره وعوزه، وبين غيرهم من الغربيين وأزلامهم ممن يظلمون الإنسان في كل مكان، فيقتلونه ويسرقونه، ثم يتغنون كذبا وادعاء بالرفق بالحيوان والشفقة عليه.
كان الأولى بكم أن ترفقوا بأخيكم الإنسان الذي تتركونه يموت جوعا في إفريقيا وآسيا، بل وتتآمرون أنتم من أجل استمراره في الجوع والعوز، من أجل أن تبقى لكم دائماً السيطرة على ثرواته وخزائنه الطبيعية.
يشدد الغربيون الحصار على العراقيين والفلسطينيين، فيموت الأطفال والشيوخ والنساء جوعاً ومرضاً، ثم يتكلمون عن حقوق الحيوان والرفق به.
والمذابح تقام في أبشع صورها للمسلمين في ميانمار ووسط إفريقيا وغربها، وفي وسوريا وفلسطين، فيشاهد العالم كله، بل ويساهم في ذلك، وبعدها يتحدث عن حقوق الحيوان.
أي عقول هذه وأي بشر هؤلاء!
الإسلام هو أرفق دين بالإنسان والحيوان على السواء، وهو أكثر الأديان تأكيدا على الشفقة على الحيوان والرحمة به، ولا يقبل الإسلام ذبح الحيوان إلا بقدر الحاجة والضرورة، وفي الحج وعيد الأضحى تأتي أكبر الضرورة، ضرورة إطعام الفقراء والمساكين والمعدمين، في يوم ينتظرونه من العام إلى العام، فبعضهم لا يأكل اللحم إلا فيه، ويدّخر منه اللحم ليأكل منه طيلة العام.
الإسلام هو أرفق دين بالإنسان والحيوان على السواء، وهو أكثر الأديان تأكيدا على الشفقة على الحيوان والرحمة به، ولا يقبل الإسلام ذبح الحيوان إلا بقدر الحاجة والضرورة
3_ شكليته.
يقولون: إن فريضة الحج تتجلى فيها الشكلية والمظهرية في أعلى صورها، وهي شكلية ومظهرية أشبه بالقصص الخرافية والأساطير.
فطواف الحاج وسعيه ورميه للجمار ووقوفه على عرفات، وغيرها، كلها أشكال من المظاهر لا تجد من ورائها أية فائدة على الحاج ولا على الأوطان والأمة.
ولهؤلاء نقول: إن الحج هو عبادة لله كما بقية العبادات، والعبادات جميعها فيها من المظاهر والشكليات ، وفي الحج خاصة تتعدد مظاهره وشكلياته بتعدد فصول قصة إبراهيم عليه السلام وأهله، ففي الحج تمثّل لهذه القصة وتذكر لها وتأسي بها، فالسعي بين الصفا والمروة كما كان سعي هاجر بينهما بحثا عن الماء، ورمي الجمار كما رمى إبراهيم وهاجر وإسماعيل الشيطان عندما وسوس لهم ليصدهم عن تنفيذ أمر الله بذبح إسماعيل. مع بعض المناسك الأخرى الأصلية في الحج، كالطواف والوقوف بعرفة.
والمناسك بشكلياتها ومظاهرها ما هي إلا تأكيد على المقصد الاكبر وهو الخضوع لله وطلب رضاه.
وفي حياة الناس، يحتاج المحبوبون للبراهين من محبيهم على حقيقة الحب، وهذه البراهين تكون ظاهرية وشكلية، فلا بد أن تكون لكل حقيقة شكليات ومظاهر.
وفي الإيمان بالله وحبه كذلك، لا بد من شكليات ومظاهر دالة، ومنها الحج بمناسكه. ومن الممكن أن توجد الشكليات والمظاهر ولا توجد الحقيقة، وحينها تكون الشكليات شكليات كاذبة مدّعاة، ليس من ورائها شيء، وليس من بعدها شيء، ولا تساوي عند الله شيئا.
4_ المبالغة في أجره وعدم العدالة فيها.
يقولون: كيف يجعل الله كل هذا الأجر لمجرد أن يمتلك الإنسان مالا، فيذهب إلى الحج، ويؤدي مناسكه، ثم يعود منه وقد غُفرت كل ذنوبه وخطاياه. هذا ليس عدلا، وفيه إجحاف بالفقراء، كما أنه مدعاة للاستهانة بالذنب والخطأ، ما دام هناك الحج الذي سيغفره.
ولهؤلاء نقول: كيف تعترضون على كرم الله وسعة فضله!
إن الله سبحانه وتعالى غفور رحيم، يحب أن يغفر لعباده، وقد جعل لهم مكفرات كثيرة لذنوبهم، منها الحج، وليس هو المكفر الوحيد. غير أن ذلك ليس مدعاة للاستهانة بالذنب والتقصير والخطأ، فإن هؤلاء الذين يرتبون لذنوبهم، مطمئنين إلى المكفّرات بعدها، لا يقبل الله منهم المكفّرات ولا يكفّر لهم بها.
إن الله سبحانه وتعالى غفور رحيم، يحب أن يغفر لعباده، وقد جعل لهم مكفرات كثيرة لذنوبهم، منها الحج، وليس هو المكفر الوحيد
كما أن الله لا ييسر لهؤلاء العبادة المكفّرة، ولا يعينهم عليها، ولا يوفقهم للإخلاص فيها، والإخلاص في العمل هو خلاصته، والعمل من غير إخلاص كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، حتى إذا جاءه لم يجده شيئا .
والذي يستمرئ الذنب ويأتيه معتمدا على العبادات المكفّرة للذنوب بعده، يختم له الله بالذنب، والعبرة بخواتيم الأعمال.
وأما عن كون الحج وثوابه ظلما للفقراء الذين لا يجدون ما ينفقونه ليحجوا. فإن الله عز وجل قد جعل النية هي أساس كل شيء، وإن من الناس من يحج وهو على فراشه بنيته وإخلاصه، ومنهم من يقطع البلاد ليحج ثم يعود من حجه ولم يُقبل منه شيء.
وقد جعل الله أعمالا كثيرة أخرى في مقدرة الفقراء، ليعملوها، ويأخذوا بها ثواب الحج والعمرة، وهم في بيوتهم وبلدانهم، وليس هذا هو مقام التفصيل فيها.