سلوكيات سلبية فيسبوكية
التنصير ودعوات الكفر والإلحاد
ثعبان يتحرَّك بخُبْث من تحت أقدامنا ونحن غافلون، إنَّه “التنصير“.
بعد فشَل الحروب الصليبيَّة، ظهرت سياسات استعمارية جديدة تسمَّى الحركات الدينية التنصيرية؛ تهدف لنشْر النصرانية بين الأمم المختلفة ودول العالم الثالث عامَّة، وبين المسلمين خاصة؛ بُغيةَ إحكام السيطرة على هذه الشعوب، وتحقيق مُخطَّطات الغرب بالاستيلاء على العالم الإسلامي، وفرْض التَّبَعِيَّة الفكرية والسياسية على المسلمين.
وارتبَط التنصير ارتباطًا وثيقًا بالاستشراق، فهما حركتان مناهضتان للإسلام، يحمِلان التعصب للنصرانية ضد الإسلام.
وبقرار من المجلس الكنَسي في فيينا سنة 1312 ميلادية، بدأ الاستشراق وجوده الرسمي في الغرب، فأقيمت المؤسسات الاستشراقية الأكاديمية، وتأسَّست كراسٍ جامعية لدراسة لغات الشرق وآدابها، وخاصة الشرق الإسلامي، وتأليف الكتب والموسوعات، وعقْد المؤتمرات التنصيريه بقيادة رواد الاستشراق آنذاك.
فكان الاستشراق بمثابة الفِكر التمهيدي، والتخطيط الإستراتيجي، والمائدة الثقافية التي تكوِّن وتشكِّل عقليةَ الحركة التنصيرية، فيما كان التنصير هو العاملَ الحركي والتنفيذي لتلك الإستراتيجية داخل العالم الإسلامي.
فاعتمَد المنصِّرون في عملياتهم التنصيرية على المؤلَّفات الاستشراقية التي أعدَّها الغربيون المستشرِقون، والتي فقَدت المصداقية، ونالها من التحريف والتدليس الكثيرُ والكثير، فأخذ المنصِّرون يحاولون توهين العقيدة الإسلامية شيئًا فشيئًا في نفوس المسلمين؛ لتسهيل تنصيرهم فيما بعد كخطوة تالية.
وفي حركة دؤوب لا تَهدأ، عمِل هؤلاء المنصِّرون على القضاء على دولة الإسلام وتصفيته من الوجود نهائيًّا؛ من خلال التشكيك في العقيدة وصحَّة الكتب والرسالة، وإثارة الشُّبهات والافتراءات حول الإسلام، والتعرُّض للشخصيات التي حمَلت الرسالة من الناحية الأخلاقية والأمانة؛ وذلك لانتزاع عناصر الإيمان من قلوب المسلمين، وتنفيرهم من تطبيق الشريعة السَّمْحة الغرَّاء، وتغييب العقيدة الصحيحة، كما عمِلوا على إضعاف اللغة العربية: لغة الرسالة، وتغيير قواعدها واستبدال لغة أخرى بها، مع التوسُّع ونشْر المدارس الأجنبية بين أبناء المجتمع المسلم؛ للحَيلولة دون دخول النصارى في الإسلام، محاولِين بذلك تقليص المد الإسلامي في الخارج، وتمييع الدين لمُسلمي الداخل؛ بنشْر فلسفات وثقافات غربية ليس لها أصول إسلامية.
ولم يكتفِ المنصِّرون بهذا فحسب، بل قاموا ببَذْر بذور العلمانية في التربة الإسلامية، ودعْم مؤسسات وأحزاب ومنظَّمات مشبوهة تروِّج للفكر اللاديني الإلحادي، واستقطاب شخصيات إعلامية ورِشوتها، واستخدام أصحاب الأسماء الإسلامية التي قد توحي للمشاهِد والقارئ – ظاهريًّا – أنها تنتمي للتيار الإسلامي؛ وذلك لتشويه صورة الإسلام، وامتهان مقدَّساته، والسخرية من الرموز، في سعي للقضاء على عوامل الوَحدة الإسلامية: كالقرآن الكريم، والكعبة، ومكة، وإثارة النعرات العِرقية، تحت مُسمَّى الاستقلال والتنوير وحرية الفكر والإبداع، ولا مانِع في منْحهم قِلادات وشهادات تقديرية؛ “سيد القمني نموذجًا”.
وفي ظلِّ غياب الدور الإسلامي في الوسط المُغاير، ومع تصاعُد النفوذ الغربي في الكثير من البُلدان الإسلامية، وضعْف الحكام المسلمين وتخاذُلهم وسكوتهم عنهم، وتيسير الأمور لهم رغَبًا ورهَبًا أو نِفاقًا، استغلَّ المنصِّرون انتشار الفقر والجهل والمرض في بلادنا، وبمعاونة المأجورين والمُتهاونين والمؤازِرين من الداخل، عمِلوا على بِناء المعتقَد النصراني، عبر تقديم الدعم المادي الكبير للمُنصِّرين والمتنصِّرين ومساعدتهم على الهجرة خارج البلاد، ولتوغُّلهم داخل مؤسَّسات الدولة حرَصوا على تطعيم التعليم بمناهج تنصيريَّة استشراقية، والتوسُّع في المدارس الخاصة والأجنبية؛ لطمس اللغة العربية، إلى جانب تقديم الخدمات الاجتماعية والطبية من خلال إنشاء العديد من المراكز الصحية، وعلاج الإدمان أو رعاية المسنين ودُور الأيتام، قاصدِين بذلك إظهار النصرانيَّة على أنها دين المحبة والسلام، وإظهار الإسلام على أنه دِين السيف والانتقام، كما حرَصت الحركات التنصيرية على السيطرة على وسائل الإعلام؛ لبثِّ خطابٍ إعلامي يعمَل على التقليل من شأن الدِّين في حياة الفرد، وتشكيك المسلمين في معتقَدهم الأصلي، ولتثبيت النصارى على دينهم من خلال القنوات التنصيرية التي تَبُثُّ السموم، وتتحرَّى الكذِب، وتروِّج للافتراءات، بالإضافة إلى الإنفاق على إنتاج الأفلام الوثائقية والدعاية الإعلامية المَهولة للمتنصِّرين، مع عرْض وتضخيم التصرُّفات الشخصية السلبية للمسلم، وإظهارهاعلى أنها منهج إسلامي وليس تصرُّفًا فرديًّا، في حين تتغاضى عن الانحطاط الأخلاقي وسلبيات المجتمع الغربي؛ كالتعرِّي والإباحية، فيتحدَّثون فقط عن تقدُّمه العلمي وغزوه الفضائي.
وأكثر ما يركِّز عليه المنصِّرون هم الأطفال من الفئات العمرية المختلفة، والذين يُعانون من الفقر وشدة الجوع، كما رأينا ما صنَعوه في البلاد الإفريقية الفقيرة، وتقديم الغذاء والدواء مقابِل التنصُّر، وبجانب الغذاء والدواء والكساء وكثرة المال والتضليل الإعلامي والكذب والتدليس، استخدَم المنصِّرون أساليبَ شتَّى، منها: المخدِّرات، والنساء، والسِّحر؛ للتأثير على الشباب والرجال، وإفساد المرأة والدعوة لإخراجها من بيتها للعمل، ومواكَبة الموضة على حساب تربيتها لأطفالها مستقبل الأمة ونواة المجتمع الصالح؛ بدعوى إثبات الذات، والانفتاح، وحريَّة المرأة.
هؤلاء المنصِّرون يعمَلون بخُطط مستقبلية قد تشمَل عدة أجيال قادمة، فمثلاً هم يعلمون أنهم ربما لا يقدِرون على تحويل عدد كبير من الأجيال الحالية عن دينهم، ولكن غايتهم هو تمييع شخصية الآباء وإبعادهم عن أُسس دينهم، فيكون الأمل لدى المنصِّرين في الأجيال التالية أكبر، فيُصبح تنصيرهم لأبناء مُلحِد أو مسلم بالاسم سهلاً عليهم وفي منتهى اليُسْر عن تنصير أبناء مسلم مُلتزِم علَّم أبناءه القرآن واللغة العربية.
وفي الآونة الأخيرة ومع استخدام الإنترنت والشبكات الاجتماعية وبرامج الشات الصوتية، حرَصت المنظَّمات التنصيرية على الوجود والمشاركة بقوة في النشاط التنصيري، مستغلَّة عدد المستخدِمين الكثير لتلك الشبكات، فقامت بنشر الصفحات الإلحادية والتنصيرية والتشكيك في الإسلام، وراحت تُلقي بالشبهات والافتراءات حول الإسلام العظيم للمسلمين الجُهلاء من الشباب والأطفال والنساء وكافة الأعمار والفئات، الذين لا يتوفَّر لديهم العِلم الكافي والجواب الشافي لمحاورات هؤلاء المنصِّرين، والرد على افتراءاتهم وتدليسهم، فيُصيب قلبَهم نوعٌ من الوَهَن والتشكيك في دينهم.
ومن هنا ندقُّ ناقوس الخطر على هذا الفعل الممنوع والمجرِم داخل المجتمع المسلم، وندعو للتوعية وزيادة التوجيه الديني، مع نشْر الردود الكافية والشافية على تلك الافتراءات، وكشْف الأساليب التنصيريَّة المختلفة والطرق الملتوية التي قد يستخدِمها المنصِّرون عبر الإنترنت للتأثير على عقيدة المسلمين، مع تدعيم الدور الأُسري والرقابة المجتمعيَّة على تلك الشبكات والصفحات.
ولكي نتفادى عدم تَكرار حادثة الطفلة السيريلانكيَّة حديث العالَم في عام 2009، “فاطمة رفقة باري” التي لم يَزِد عمرُها في ذاك الوقت عن 17 عامًا، بعد أن قام قِس يتبَع لكنيسة الثورة العالمية بتنصيرها عبر (الفيسبوك)، فحثَّها على الهرب من بيت أهلها بمدينة أوهايو، والسفر إلى بيت القِس راعي أبرشية بولاية فلوريدا، وأُصيبت “رفقة” بعد هروبها وذَهابها لبيت القسيس بسرطان الرَّحم، فتخلَّى عنها المنصِّرون والمناصِرون لها، والهيئات الحقوقية والتنصيرية التي كانت بجانبها في فترات سابِقة، حيث ترقُد “رفقة” بالمستشفى في حالة خطِرة لا تَجد من يرعاها، وإلى الآن لا نعلَم حقيقة حالتها.
رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/44606/#ixzz6DNPQH8bS