تأثير العين وكلام العلماء في حقيقتها
تقرأ في المقال:
1- الأدلة من القرآن الكريم على تأثير العين.
2- الأدلة من السنة النبوية على تأثير العين.
3- أقوال العلماء في حقيقة العين.
••••
علاج العين[1]:
› الأدلة من القرآن الكريم على تأثير العين:
1- قال تعالى: ﴿ وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ * وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 67، 68].
يقول الحافظ ابن كثير – رحمه الله – في تفسير هاتين الآيتين:
يقول الله تعالى إخبارًا عن يعقوب عليه السلام: إنه أمر بنيه لما جهَّزهم مع أخيهم بنيامين إلى مصر، ألا يدخلوا كلهم من باب واحد، وليدخلوا من أبواب متفرقة، فإنه كما قال ابن عباس، ومحمد بن كعب، ومجاهد، والضَّحَّاك، وقتادة، والسُّدِّي، وغير واحد: إنه خشي عليهم العين؛ وذلك أنهم كانوا ذَوِي جمال وهيئة حسنة، ومنظر وبهاء، فخشي عليهم أن يصيبهم الناس بعيونهم؛ فإن العين حق تَستَنْزِل الفارس عن فرسه.
وقوله: ﴿ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [يوسف: 67]؛ أي: إن هذا الاحتراز لا يَرُدُّ قدَر الله وقضاءه؛ فإن الله إذا أراد شيئًا، لا يُخالَف ولا يُمانَع.
﴿ وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا ﴾ [يوسف: 68]، قالوا: هي دفع إصابة العين لهم؛ ا هـ باختصار[2].
2- قال تعالى: ﴿ وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ ﴾ [القلم: 51].
يقول الحافظ ابن كثير – رحمه الله تعالى -:
قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما: ﴿ ليُزْلِقُونك ﴾: لينفذونَكَ بأبصارهم؛ أي: يَعِينُوكَ بأبصارهم؛ بمعنى: يحسدونك؛ لبغضهم إياك، لولا وقاية الله لك، وحمايته إياك منهم، وفي هذه الآية دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها حق، بأمر الله عز وجل، كما وردت بذلك الأحاديث المروية من طرق متعددة كثيرة؛ اهـ[3].
› الأدلة من السنة النبوية على تأثير العين:
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((العين حق))[4].
2- وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((استعيذوا بالله من العين؛ فإن العين حق))[5].
3- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((العين حق، ولو كان شيء سابِقَ القَدَرِ لسبَقَتْه العين، وإذا اسْتُغْسِلْتُم فاغتَسِلوا))[6].
أي: وإذا طُلِب من أحدكم أن يغتسل لأخيه المسلم؛ لأنه أصابه بالعين، فلْيُلَبِّ طلبه، وَلْيَغْتسِلْ له.
4- وعن أسماء بنت عميس رضي الله عنها قالت: يا رسول الله، إن بني جعفرٍ تصيبهم العين أفأسترقي لهم؟ فقال: ((نعم، فلو كان شيء سابقَ القضاءِ، لسبقَتْه العين))[7].
5- وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن العين لتُولَع بالرجل بإذن الله، حتى يصعد حالقًا فيتردَّى منه))[8].
والمعنى: أن العين تصيب الرجل، فتؤثِّر فيه، حتى إنه ليصعد مكانًا مرتفعًا، ثم يسقط من أعلاه من أثر العين.
6- وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((العين حق تستنزل الحالق))[9].
أي: تسقطه من الجبل العالي.
7- وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((العين تُدخِلُ الرجلَ القبر، وتُدخِل الجَمَلَ القِدْر))[10].
والمعنى: أن العين تصيب الرجل، فتقتله فيموت ويُدفَن في القبر، وتصيب الجمل فيُشرِف على الموت فيُذبَح ويُطبَخ في القِدْر.
1- وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أكثر من يموت من أمتى بعد قضاء الله وقدره بالعين))[11].
2- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر أن أسترقي من العين”[12].
3- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: “رخَّص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرُّقْيَة من العين والحُمَة والنملة”[13].
الحُمَة: كل لدغة فيها سم؛ كلدغة الحية والعقرب وغيرها.
النملة: قروح تخرج في الجنب[14].
4- وعن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجارية في بيتها رأى في وجهها سَفعة: ((بها نظرة، استرقوا لها))[15].
سَفعة: علامة من الشيطان، وقيل: ضربة واحدة منه[16]؛ أي: بقعة سوداء، أو صفراء في وجهها.
5- وعن جابر رضي الله عنه قال: رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لآل حزم في رُقية الحية، وقال لأسماء بنت عميس: ((ما لي أرى أجسام بني أخي ضارعة – نحيفة – تصيبهم الحاجة؟)) قالت: لا، ولكن العين تُسرِع إليهم، فقال: ((ارْقِيهم))، قالت: فعرَضْتُ عليه، فقال: ((ارقيهم))[17].
› أقوال العلماء في حقيقة العين:
قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله تعالى -:
العين إصابتها وتأثيرها حق بأمر الله عز وجل؛ اهـ[18].
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله تعالى -:
حقيقة العين نظَرٌ باستحسان مشوب بحسد من خبيث الطبع، يحصل للمنظور منه ضرر؛ اهـ[19].
قال ابن الأثير – رحمه الله تعالى -:
يقال: أصابت فلانًا عينٌ، إذا نظر إليه عدو، أو حسود، فأثَّرت فيه، فمرض بسببها؛ اهـ[20].
قال الحافظ ابن القيم – رحمه الله تعالى -:
فأبطَلت طائفة ممن قل نصيبهم من السمع والعقل أمرَ العين، وقالوا: إنما ذلك أوهام لا حقيقة لها، وهؤلاء مِنْ أجهلِ الناس بالسمع والعقل، ومِنْ أغلظِهِم حجابًا، وأكثفِهِم طباعًا، وأبعدِهِم معرفةً عن الأرواح والنفوس، وصفاتها وأفعالها وتأثيراتها، وعقلاء الأمم على اختلاف مللهم ونِحَلِهم، لا تدفَعُ أمرَ العين، ولا تُنكِره، وإن اختلفوا في سببه، وجِهَة تأثير العين.
ثم قال: ولا ريب أن الله سبحانه خلق في الأجسام والأرواح قُوًى وطبائعَ مختلفةً، وجعل في كثير منها خواصَّ وكيفياتٍ مؤثِّرةً، ولا يمكن لعاقل إنكارُ تأثير الأرواح في الأجسام؛ فإنه أمر مشاهَد محسوس، وأنت ترى الوجه كيف يحمر حمرة شديدة إذا نظر إليه من يحتشِمُه ويستحي منه، ويصفَرُّ صُفرة شديدة عند نظر من يخافه إليه، وقد شاهد الناس من يَسْقَمُ من النظر وتضْعُف قواه، وهذا كله بواسطة تأثير الأرواح، ولشدة ارتباطها بالعين يُنسَب الفعل إليها، وليست هي الفاعلةَ، وإنما التأثير للروح، والأرواح مختلفة في طبائعها وقواها وكيفيتها وخواصها، فروح الحاسد مؤذية للمحسود أذًى بَيِّنًا؛ ولهذا أمر الله سبحانه رسوله أن يستعيذ به من شره، وتأثير الحاسد في أذى المحسود أمر لا ينكره إلا من هو خارج عن حقيقة الإنسانية، وهو أصل الإصابة بالعين؛ فإن النفس الخبيثة الحاسدة تتكيف بكيفية خبيثة، وتقابل المحسود، فتؤثر فيه بتلك الخاصية، وأشبه الأشياء بهذا الأفعى، فإن السم كامن فيها بالقوة، فإذا قابلت عدوها، انبعثت منها قوة غضبية، وتكيفت بكيفية خبيثة مؤذية، فمنها ما تشتد كيفيتها وتقوى حتى تؤثر في إسقاط الجنين، ومنها ما تؤثر في طمس البصر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الأبْتَر، وذِي الطُّفْيَتَيْنِ من الحيَّات: ((إنهما يلتمسان البَصَر، ويُسقِطَان الحَبَل))[21].
والتأثير يكون تارة بالاتصال، وتارة بالمقابلة، وتارة بالرؤية، وتارة بتوجه الروح نحو من يؤثِّر فيه، وتارة بالأدعية والرُّقَى والتعوُّذات، وتارة بالوهم والتخيل، ونفس العائن لا يتوقف تأثيرها على الرؤية، بل قد يكون أعمى فيوصف له الشيء فتوثر نفسه فيه، وإن لم يره، وكثير من العائنين يؤثر في المَعِين بالوصف من غير رؤية، وهي سهام تخرج من نفس العائن فتصيب المَعِين تارة وتخطئه تارة، فإن صادفته مكشوفًا لا وقاية له، أثَّرت فيه ولا بد، وإن صادفته حذرًا شاكيَ السلاح، لا منفذ فيه للسهام، لم تؤثِّر فيه، وربما رُدَّت السهامُ على صاحبها.
وأصله من إعجاب العائن بالشيء، ثم تتبعه كيفية نفسه الخبيثة، ثم تستعين على تنفيذ سُمِّها بنظرة إلى المَعِين وقد يَعِينُ الرجلُ نفسَهُ، وقد يَعِينُ بغير إرادته؛ اهـ مختصرًا[22].
——————————————————————————–
[1] هناك بحث قيم بعنوان ” العين حق” تأليف أحمد بن عبدالرحمن الشميمري، وقد نقلت منه بعض النقول في هذا الفصل، فليراجع؛ فإنه مهم.
[2] تفسير ابن كثير 2/485.
[3] تفسير ابن كثير 4/410.
[4] رواه البخاري 10/203، ومسلم في السلام، باب الطب.
[5] رواه ابن ماجه 3508، وصححه الألباني في صحيح الجامع 951.
[6] رواه مسلم في كتاب السلام، باب الطب والرُّقَى.
[7] رواه أحمد 6/438، والترمذي 2059، وقال: حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح الجامع 5662.
[8] رواه أحمد وأبو يعلى، وصححه الألباني في صحيح الجامع 1677.
[9] رواه أحمد والطبراني والحاكم، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة 1250.
[10] رواه أبو نعيم في الحلية، وحسنه الألباني في صحيح الجامع 4023.
[11] رواه البخاري في التاريخ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع 1217.
[12] رواه البخاري 10/170، ومسلم 2195.
[13] رواه مسلم 2196 في السلام.
[14] راجع النهاية لابن الأثير 5/120.
[15] رواه البخاري 10/171، ومسلم 97.
[16] راجع النهاية 2/375.
[17] رواه مسلم في كتاب السلام 2198.
[18] تفسير ابن كثير 4/410.
[19] فتح الباري 10/200.
[20] النهاية 3/332.
[21] رواه البخاري 6/248، ومسلم 2233.
[22] زاد المعاد 4/165.