بيان أن اسم الله الأعظم هو الله
اسم الله الأعظم هو الله؛ لأنه متضمن كل اسم لله، وجميع الأسماء الحسنى تابعة له، مضافة إليه، ولا يضاف اسم الله إليها، وقال بعض العلماء: المراد بالاسم الأعظم جميع أسماء الله الحسنى، فكلها عظيمة، وقيل: الاسم الأعظم اسمان هما: الحي القيوم، والأصح هو القول الأول، وقد نُسِب إلى أكثر العلماء، وإلى المحققين.
وقد وردت أحاديث نبوية فيها بيان اسم الله الأعظم، وهي لا تنافي القول بأنه الله، وأصحها إسنادًا حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلًا يقول: اللهم إني أسألك أني أشهد أنك أنت الله، لا إله إلا أنت، الأحد الصمد الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، فقال: (لقد سألت الله بالاسم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب) رواه أبو داود (1493) بإسناد صحيح.
وحديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت، وحدك لا شريك لك، المنان، بديع السموات والأرض، ذا الجلال والإكرام. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد سألت الله باسم الله الأعظم، الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى) رواه أحمد (12205) وصححه الأرناؤوط.
وحديث أسماء بنت يزيد رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين ﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 163]، وفاتحة آل عمران: ﴿ الم * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ [آل عمران: 1، 2]) رواه الترمذي (3478) وصححه، وحسنه الألباني، وضعفه الأرناؤوط، والله أعلم.
ومن أقوال العلماء في بيان أن اسم الله الأعظم هو الله:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (اسم الله الأعظم هو الله)؛ رواه ابن مردويه كما في كتاب “الدر المنثور في التفسير بالمأثور” للسيوطي ج1، ص23.
وعن التابعي الجليل جابر بن زيد قال: (إن اسم الله الأعظم هو الله، ألم تسمع يقول: ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [الحشر: 22 – 24]؟ ألا ترى أنه في جميع القرآن يُبدأ به قبل كل اسم؟!) رواه ابن جرير الطبري في “تفسيره” ج22، ص555، وابن أبي حاتم في “تفسيره” ج1، ص25 و ج2، ص585.
وعن التابعي الجليل الشعبي قال: (اسم الله الأعظم هو الله) رواه عثمان بن سعيد الدارمي في كتابه “النقض” ج1، ص168.
وقال فخر الدين الرازي: (الاسم الأعظم هو قولنا: «الله»، وهذا هو الأقرب عندي) “التفسير الكبير” ج1، ص111.
وقال الأشموني: (الله علم على الذات الواجب الوجود -أي: لذاته-، المستحق لجميع المحامد، ولم يسم به سواه، قال تعالى: ﴿ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ﴾ [مريم: 65] أي: هل تعلم أحدا تسمى الله غير الله، وهو اسم عربي عند الأكثر، وعند المحققين أنه اسم الله الأعظم) “شرح الأشمونى لألفية ابن مالك” ج1، ص17.
وقال السفاريني: (عند أكثر أهل العلم أنه لفظ الجلالة، وعدم الإجابة لأكثر الناس مع الدعاء به لتخلف بعض الشروط التي من أهمها: الإخلاص، وأكل الحلال) “لوامع الأنوار البهية” ج1، ص35.
وقال ابن عبد الحق العمري: (قال البندنيجي: وأكثر أهل العلم على أن الاسم الأعظم هو: الله) “درر الفرائد المستحسنة” ج1، ص141.
وقال محمد علي الدرة: (الله: هو اسم الله الأعظم، الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى، وإنما تخلفت الإجابة عند الدعاء به لتخلف شروط الإجابة، التي أعظمها: أكل الحلال) “فتح الكبير المتعال” ج2، ص311.
وقال عمر الأشقر: (الذي يظهر من المقارنة بين النصوص التي ورد فيها اسم الله الأعظم أنه: (الله)، فهذا الاسم هو الاسم الوحيد الذي يوجد في جميع النصوص التي قال الرسول صلى الله عليه وسلم: إن اسم الله الأعظم ورد فيها) “العقيدة في الله” ص: 213.
وقد جهل أكثر اليهود والنصارى هذا الاسم الأعظم، فهم يسمون الله بغير اسمه، مع أن أسماء الأعلام لا تتغير باختلاف اللغات، ولا تُترجم من لغة إلى أخرى، فمن كان اسمه محمدًا مثلا فهذا اسمه في أي لغة، ولا يصلح أن يُترجم الاسم من لغة إلى أخرى.
ولا عجب في تضييع أهل الكتاب اسم الله، فاليهود قد ضيعوا اسم الإسلام الذي سمى الله به جميع أهل الدين الحق من الأولين والآخرين كما قال سبحانه: ﴿ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا ﴾ [الحج: 78]، وقال الله عن أول الرسل نوح عليه الصلاة والسلام: ﴿ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [يونس: 72]، وقال سبحانه عن نبيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام: ﴿ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 67، 68]، وقال عن موسى عليه الصلاة والسلام: ﴿ وَقَالَ مُوسَى يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ ﴾ [يونس: 84]، وقال الحواريون أصحاب عيسى عليه الصلاة والسلام: ﴿ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 52].
فكما ضيع اليهود والنصارى اسم دين الله وهو الإسلام الذي لا يرضى سواه، وهو دين جميع الأنبياء، كذلك ضيعوا اسم الله الأعظم، وضيعوا كتب الله التي أنزلها على أنبيائهم، وأما المسلمون فبحمد الله كلهم يعرفون اسم الله، وفي أول المصحف يقرءون ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [الفاتحة: 1].
وللتوسع في بيان أن اسم الله الأعظم هو الله يُنظر: الزجاج، تفسير أسماء الله الحسنى، ط1، ص24، 25؛ ابن العربي، أحكام القرآن، ط3، ج2، ص343؛ السهيلي، الروض الأنف، ط1، ج1، ص202 – 207؛ ابن ناصر الدين، مجالس في تفسير قوله تعالى: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾ [آل عمران: 164]، ط1، ص86؛ ابن حجر، فتح الباري، ط1، ج11، ص224، 225؛ الشربيني، السراج المنير، ط1، ج1، ص6؛ حقي، روح البيان، ط1، ج3، ص284؛ الألوسي، روح المعاني، ط1، ج5، ص115.