بر الأم في الإسلام
الأمُّ صاحبة القلب الكبير، التي لا تصبر عن فِراق أبنائها، سهرت الليالي من أجلهم، والاعتناء بهم، وتستبشـر عندما يكبر طفلها، ويبدأ بالاعتماد على نفسه في قضاء حوائجه، وتحزن لحزنه، وعندما يبلغ السابعة من عمره، تبدأ تُفكِّر في مستقبله، وتقول في نفسها: “ولدي سيكون إن شاء الله معلمًا أو داعيةً أو عالِمًا أو مهندسًا”، وعندما يصبح رجلًا، فإنه لا يزال في عينيها طفلًا، سبحان الله!
ودليل ذلك: عندما يتأخَّر عن حضوره للمنزل تقلق، ولا تستريح حتى يأتي، حقًّا إنها ذات قلب كبير.
حق الأم:
عرَّفنا الله عز وجل بقدر الوالدين في قوله تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴾ [الإسراء: 23].
قال ابن كثير رحمه الله: “أي: لا تسمعهما قولًا سيِّئًا، حتى ولا التأفيف الذي هو أدنى مراتب القول السيئ”.
وحق الأم أعظم من حقِّ الأب كما هو معروف في الحديث الذي رواه البخاري، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحُسْن صحابتي؟ قال: ((أُمُّك))، قال: ثم مَنْ؟ قال: ((أُمُّك))، قال: ثم مَنْ؟ قال: ((أُمُّك))، قال: ثم من؟ قال: ((أبوك)).
ومن فضل الأمِّ عليك أنها حملتك في بطنها تسعةَ أشهر، ما بين ثقل بدني وثقل نفسي.
الفرق بين الطاعة والبر في حق الوالدين:
الطاعة: هي الاستجابة للأوامر التي تطلب منك، أما البرُّ فهو أعمُّ من الطاعة، وهو تلبية رغبات الوالدين دون أمرهم بذلك.
• إلى من يقدم طلب الزوجة على الأم أهمس في أذنك وأقول: الزوجة قد يكون بدلًا منها زوجة أُخرى؛ لكن الأم، هل سيكون لك أُمٌّ أخرى؟ فالعدل والإنصاف واجب في كلا الأمرين؛ لكن لا يقدم طلب الزوجة على طلب الأم إذا توافقا في وقتٍ واحد.
من صور البر:
1- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: سمِعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن خير التابعين رجلٌ يُقال له: أويس، ولهُ والدة، وكان به بياض، فمرُوهُ فليستغفر لكم))[1].
2- أن رجلًا أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: “إن لي أمًّا بلغ بها الكبر، وإنها لا تقضـي حاجتها إلا وظهري مطية لها وأوضِّئها، وأصـرف وجهي عنها – أي: عند وضوئها – فهل أدَّيْتُ حقَّها؟ قال: لا، قال: أليس قد حملتها على ظهري، وحبستُ نفسـي عليها؟ قال: إنها كانت تصنع ذلك بك، وهي تتمنَّى بقاءك؛ وأنت تتمنَّى فراقها”[2].
3- قال رجلٌ لعبدالله بن عمر رضي الله عنه: “حملت أُمِّي على رقبتي من خراسان حتى قضيت بها المناسك، أتراني جزيتها؟ قال: لا، ولا طلقة من طلقاتها”[3].
4- عن بندار قال: “أردت الخروج – يعني: السفر- في طلب الحديث، فمنعتني أُمِّي، فأطعتُها، ولم أخرج فبُورك لي فيه”[4].
5- عن أبي حازم: “أن أبا هريرة رضي الله عنه لم يحجَّ حتى ماتَتْ أُمُّه”[5].
6- قال محمد بن المنكدر: “بتُّ أغمز رِجْلَ أُمِّي، وبات أخي عمر يُصلِّي، وما يسـرُّني في ليلتي بليلته”[6].
7- عن علي بن الحسين: “أنه قيل له: أنت من أبرِّ الناس، ولا نراك تأكل مع أُمِّك؟! قال: أخاف أن تسبق يدي إلى ما قد سبق إليه عينُها، فأكون قد عقَقْتُها” [7].
8- عن أبي بكر بن عياش قال: “ربما كنت مع منصور في منزله جالسًا فتصيح به أُمُّه، وكانت غليظة، فتقول: يا منصور، يريدك ابن هبيرة على القضاء فتأبَى؟! وهو واضع لحيته على صدره ما يرفع طرفه إليها”[8].
وصايا للأبناء:
1- استخدام العبارات الجميلة؛ مثل:
قول إبراهيم عليه السلام لأبيه: ﴿ يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا ﴾ [مريم: 44].
وللأم يُقال: يا حبيبتي أو يا أمَّاهُ، أهلًا بالغالية، عندما تطلب حاجة، يُقال لها: أبشـري، أنا خادمك، وغيرها من العبارات الجميلة.
2- التواضُع لهما ولين الجانب، وألا تُحدِّق النظر فيهما؛ بل انظر إليهما نظرَ رحمةٍ وإشفاقٍ، وعدم رفع الصوت عليهما.
3- إخبارهما عند القيام بالسفر ولو كنت متزوِّجًا.
4- دعوتهما للحضور عند قيامك بوليمة من الولائم.
5- مشاورتهما في بعض الأمور.
6- تبشيرهما بالأمور السارَّة.
7- الدعاء لهما وهما على قيد الحياة وبعد الممات.
8- إقامة وقف لهما إن تيسـَّر ذلك.
9- الهدية لهما.
10- جلسة يومية معهما.
11- بذل المال لهما.
12- بر أصدقائهما.
13- تجنُّب إغضابهما.
14- إدخال السـرور عليهما.
15- الحديث معهما عن حياتهما في الماضي.
16- عدم تقديم أي زيارة على زيارتهما.
17- وضع مناسبة تجلب الفرح لهما.
18- الحذر من عُقُوقِهما.
[1] رواه مسلم.
[2] بر الوالدين؛ لابن الجوزي.
[3] نفس المصدر السابق.
[4] تاريخ بغداد.
[5] مك
[6] حلية الأولياء.
[7] البر والصلة.
[8] البر؛ لابن الجوزي.