الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم –
(فضائلها وفوائدها)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
وبعد:
فإن الله سبحانه وتعالى أرسل نبينا محمداً -صلى الله عليه وسلم- رحمة للعالمين، ونجاة لمن آمن به من الموحدين، وإماماً للمتقين، وحجة على الخلائق أجمعين، وشفيعاً في المحشر، أرسله الله على فترة من الرسل، فهدى به لأقوم الطرق وأوضح السبل، وافترض على العباد طاعته وتوقيره ورعايته والقيام بحقوقه والصلاة عليه والتسليم، قال بعض العلماء: ومن خواصه -صلى الله عليه وسلم- أنه ليس في القرآن ولا غيره صلاة من الله على غيره، فهي خصيصة اختصه الله بها دون سائر الأنبياء[1]. اهـ.
قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
روى البخاري في صحيحه من حديث أبي العالية قال: «صلاة الله: ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة الدعاء»، وقال ابن عباس – رضي الله عنهما -: «يُصَلُّونَ: يُبَرَّكُونَ» هكذا علقه البخاري عنهما[2]. قال ابن كثير: «المقصود من الآية: أن الله سبحانه وتعالى أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين، وأن الملائكة تصلي عليه، ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعاً»[3].
وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- منها ما رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث أنس – رضي الله عنه – أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ، وحَطَّ عَنْهُ عَشْرَ خَطِيئَاتٍ»[4].
وروى أبو داود في سننه من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا، وَلَا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا، وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ»[5].
وروى الترمذي في سننه من حديث أُبي بن كعب – رضي الله عنه – قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي، فَقَالَ: «مَا شِئْتَ»، قُلْتُ: الرُّبُعَ، قَالَ: «مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ»، قُلْتُ: النِّصْفَ، قَالَ: «مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ»، قَالَ: قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ، قَالَ: «مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ»، قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا، قَالَ: «إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ»[6].
قال ابن القيم – رحمه الله -: سُئل شيخنا – رحمه الله -[7] عن تفسير هذا الحديث فقال: كان لأُبي بن كعب دعاء يدعو به لنفسه، فسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- هل يجعل له منه ربعه صلاة عليه-صلى الله عليه وسلم-، فقال: إن زدت فهو خير لك، فقال له: النصف، فقال: إن زدت فهو خير لك، إلى أن قال: إن زدت فهو خير لك، إلى أن قال: أجعل لك صلاتي كلها، أي أجعل دعائي كله صلاة عليك، قال: إذاً تُكفى همك ويُغفر لك ذنبك، لأن من صلى على النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاة، صلى الله عليه بها عشراً، ومن صلى الله عليه كفاه همه وغفر له ذنبه، هذا معنى كلامه – رحمه الله -[8]. اهـ.
ومن فوائد الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-:
أولاً: امتثال أمر الله – سبحانه وتعالى.
ثانياً: موافقته – سبحانه وتعالى – في الصلاة عليه، وإن اختلفت الصلاتان، فصلاتنا عليه دعاء وسؤال وصلاة الله تعالى عليه ثناء وتشريف.
ثالثاً: أنها ترفع الدرجات وتكفر السيئات كما وردت بذلك الأحاديث السابقة.
رابعاً: أنه يرجى إجابة دعاء السائل إذا ختم بها، فبها يصعد الدعاء إلى رب العالمين. روى الديلمي في مسند الفردوس من حديث أنس، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «كُلُّ دُعَاءٍ مَحجُوبٌ حَتَّى يُصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-»[9].
خامساً: أنها سبب لكفاية العبد ما أهمه، ففي حديث أُبي السابق لما قال للنبي-صلى الله عليه وسلم- أجعل لك صلاتي كلها، قال له إذاً تُكفى همك، ويُغفر ذنبك، ومن القصص في هذا الباب وهي كثيرة أن أحد الإخوان كان يعاني من مشكلات كثيرة مع زملائه، وفي بيته حمل هموماً وغموماً، فدُل على الإكثار من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فلازم ذلك، فتبدلت حاله إلى أفراح ومسرات في وقت قليل.
سادساً: أن الصلاة عليه -صلى الله عليه وسلم- من حقوقه على أمته مقابل الخير العظيم الذي حصل لهم بسببه.
وأما صيغ الصلاة عليه، فهي كثيرة، أكتفي باثنتين منها:
أولًا: ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لَقِيَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ – رضي الله عنه – فَقَالَ: أَلَا أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً سَمِعْتُهَا مِنَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقُلْتُ: بَلَى فَأَهْدِهَا لِي، فَقَالَ: سَأَلْنَا رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فَقُلْنَا يَا رَسُولَ الله: كَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ عَلَّمَنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ؟ قَالَ: «قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»[10].
ثانياً: ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي حميد الساعدي – رضي الله عنه – أنهم قالوا: يَا رَسُولَ الله كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»[11].
أما المواطن التي يُصلى فيها على النبي -صلى الله عليه وسلم- فهي كثيرة أذكر منها:
1- بعد التشهد في جميع الصلوات، وهو ركن بعد التشهد الأخير عند جمع من أهل العلم.
2- في التشهد الأول وآخر القنوت.
3- في صلاة الجنازة بعد التكبيرة الثانية.
4- عند دخول المسجد، وعند الخروج منه.
5- عند اجتماع القوم، وقبل تفرقهم للحديث: «مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ، وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ، إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً[12]، فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ»[13].
6- عند الهم والشدائد وطلب المغفرة في الدعاء.
7- عند استفتاح الخطب للدروس وغيرها مقروناً بالثناء على الله تعالى وعند ختمها.
8- في أول النهار وآخره مع أذكار الصباح والمساء.
9- بعد الأذان وذلك من وسائل الشفاعة.
10- عند ذكره -صلى الله عليه وسلم-، فقد جاء في الحديث: «الْبَخِيلُ الَّذِي مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ»[14].
وغير ذلك من المواضع.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] انظر: خطبة السخاوي في كتابه القول البديع ص5 بتصرف، ومرشد المحتار إلى خصائص المختار لمحمد بن طولون ص397. نقلًا عن كتاب جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام- صلى الله عليه وسلم – ص5.
[2] صحيح البخاري ص937 باب قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ﴾ [الأحزاب: 56].
[3] تفسير ابن كثير (11/210).
[4] (19/57) برقم 11998 وقال محققوه: حديث صحيح.
[5] برقم 2042 وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي (1/383) برقم 1796.
[6] برقم 2457 وقال: حديث حسن صحيح.
[7] يقصد شيخ الإسلام ابن تيمية.
[8] جلاء الأفهام في فضل الصلاة على خير الأنام ص76.
[9] مسند الفردوس (4754) وحسنه الألباني – رحمه الله – في السلسلة الصحيحة (5/57) برقم 2035، وورد موقوفاً عن علي وضعفه آخرون، وقال الألباني الموقوف أصحّ.
[10] برقم 3370 وصحيح مسلم برقم 406.
[11] برقم 3369 وصحيح مسلم برقم 407.
[12] ترة: يعني حسرة وندامة.
[13] سنن الترمذي برقم 3380 وقال: حديث حسن صحيح.
[14] سنن الترمذي برقم 3546 وقال: حديث حسن صحيح غريب.