الإلحاد هو مصدر الوثنية عبر كل العصور
يعني الإلحاد في صورته النهائية التجرُّد من كل مُقدَّس، والتخلُّص من كل قيمة تتجاوز العالم المادي، بينما تقوم الوثنية على تأليه الماديات، وتقديس حتى الجمادات، وظاهرياً من المُحال بمكان أن يجتمع الإلحاد والوثنية، لكننا سنكتشف في هذا المقال أن الإلحاد هو أصل جانب كبير من الوثنيات على الأرض.
يرى علماء تاريخ الأديان أمثال [لانج] Lange وباسكال Pascal و[شميث] Schmitt و[بروس] Bruce و[كوبرز] Coopers وغيرهم، أن التوحيد وعبادة الله الواحد كانت سابقةً على التعدد وصناعة الآلهة الوثنية.-1-
لكن لماذا ترتَّد البشرية في كل مرة، وتعود لتعدد الآلهة الوثني اللاعقلاني؟ يكون التبرير المستمر لهذه القضية أن هذا من باب تحريفات السحرة والكُهان على الدين الحق -دين التوحيد- .. لكن يظل السؤال قائماً ما الذي يدفع السحرة والكهان لهذا الأمر؟
في البداية لا خلاف على رِبحية الوثنية من الناحية المادية، فالوثنية توفِّر غطاءاً سخياً يُبرر المُتع الدُنيوية و الجنسية المُحرَّمة بلا مُقابل أو رادع أُخروي، فالوثنية هي التًفلت المُستمر من تكاليف شرائع الأنبياء، ولذا كانت الوثنية عبر الزمان مرتع الشيطان في إغواء ابن آدم، كما في الحديث القُدسي ( إني خلقتُ عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم .) -2-
لكن هل كان شيطان الجِّن هو اللاعب الوحيد في الساحة ؟ أم أن ظهور شياطين الإنس من الملاحدة كان له دورٌ أسرع في نشر الوثنية والإغواء بها وتفشِّيها بين الأُمم والحضارات والثقافات ؟!!
إن أبسط دراسة أكاديمية للجميعات السرِّية حول العالم، تُقَّدم أدلة دامغة على دور الإلحاد في نشر الوثنية، يقول المفكر الشهير[مايكل هوارد] Michael Howard ” إن أتبـاع الجمعيات السرية يُعانون من حالة مرضية، تم تشخيصهـا على أنها بُغض الدين، ويكفي أن آدم وايسهاوت Adam Weishaupt أبو الحركات الماسونية كان مريضاً بهذا المرض ” . -3-
و يمكن ملاحظة هذه النتيجة من متابعة الحركات الوثنية المعاصرة، فعبدة الشيطان هم ملاحدة لا يؤمنون بالله ولا بالشيطان، فالشيطان هو رمز للشهوة وليس معبوداً لذاته.
يقول [بيتر جيلمور] Peter Gilmore الرئيس الحالي لكنيسة الشيطان بأمريكـا ” نحن لا نؤمن بأي قوة خارقة للطبيعة .. لا نؤمن بالإله بل ولا نؤمن بالشيطان نفسه… ؛ فالشيطان هو مجرد رمز للشهوة الإنسانية … والشيطان ليس كينونة موجودة أصلا لتُعبـد .”-4-
وهذا أمرٌ بَدَهِيٌ فأنتون ليفي Anton LaVey مؤسس مذهب عبادة الشيطان، والذي أسس كنيسة الشيطان بسان فرانسيسكو San Francisco كان ملحداً، فالإلحـاد هو مصدر عبادة الشيطان، وعبدة الشيطان هم الملاحدة. -5-
إن الوثنية بكافة طقوسها، وعبادة الشيطان ، وتعدد الآلهة بكافة شركياته، مسوِّغ رائع للانغماس في الشهوات والفجور والجرائم .. تصوَّر شخصا حاقدا على الأديـان، وهاربا من تكاليف الشريعة، وباحثا عن الشهوة بأي ثمن، إن هذا الشخص من البَدَهِي أن يَنضوي تحت أي لواء يُحقق رغباته فيصير وثنياً، أو ينضم لجماعة مُنظمة ويصير من عبدة الشيطان، فعبادة الشيطان هي مذهب إلحادي مائة بالمائة.
وإذا نظرنا إلى تجمع وثني آخر وهو جمعية الفجر الذهبي الوثنية بأوربا Order of the Golden Dawn، وهي جمعية سـرية تؤمن بطقوس وثنيـة وسحريـة شاذة، وأيقونة موقعها الرسمي عبارة عن معبد وثني -6-
ولا يؤمن أتباع تلك الجمعية بهذه الوثنيات، ولا يُلقون لها بالاً، لكنه نوع من التفريغ الروحي ولون من الاستدارة على الأديان حتى لا يتصفوا بالإلحاد.
وقد أسس تلك الجمعية [إليستر كرولي] Aleister Crowley وهو المؤسس للعديد من المحافل الماسونية عبر العالم، وهو فيلسوف شهير وصاحب المقولة الإلحادية ” افعل ما تُحب هذا هو أصل القوانين” -7-
وهذه المقولة تحليل إلحادي مادي لحياة الإنسان وغائيته في غياب المرجعية الدينية، وفي غياب التعويل على أية قيمةٍ أو مبدأ .
و إليستر كرولي هو جد [جورج بوش] George W. Bush من أُمه وهو ملحد شاذ جنسياً، وقد وَجد في الجمعيات الوثنية ضالته في الدعوة للإباحية الجنسية إلى أقصى درجة، والنقمة على الأديان.-8-
وتمتليء جنبات العالم بالكثير من الجمعيات التي ظاهرها وثنية بينما هي إلحادية حتى النخاع، فهناك الرابطة الأخوية السوداء، أو الجمجمة والعظمتين Skull and Bones، وهي جمعية وثنية شهيرة تتبَع جماعة المستنيرين الإلحـادية Illuminati التي أسسهـا الملحد الشهير[ آدم وايسهاوت] Adam Weishaupt ، الذي تحدثنا عنه قبل قليل، وكان آدم وايسهاوت قِساً للجزويت Jesuit ثم ألحد وقام بتأسيس الجماعة للقضاء على الدين في أوربـا. -9-
وهُناك النادي البوهيمي فخر الأندية الوثنية الإلحادية، وأشهرها على الإطلاق، ويشتهر بأنه نادي العراة، أعضاؤه ملاحدة يقومون باحتساء الخمور من الصباح حتى المساء، ثم يقومون بطقوس وثنية خاصة، وتأتي شهرته من ارتباطه بشخصيات سياسية واقتصادية مرموقة في المجتمع الغربي .-10-
و نستخلص مما سبق أن المشكلة هي عبث الملحدين الأزلي بالأديان، وهو عبث غير ظاهر في الغالب خوفاً من بطش الشعوب ونقمتها، فيتظاهرون بالوثنية أملاً في انحراف الشعوب عن عقائد الأنبياء، فالإلحـاد هو الشر المتربص بالعـالم، وهو مصدر رئيس من مصادر الكُفريـات والوثنيات والفلسفات الهابطة، التي انتشرت وما زالت تنتشر في أرجاء المعمورة.
———-
1- andrew lang : the making of religion ..New York 1968
2- صحيح مسلم، حديث رقم: 5109
3- Michael Howard,Occult Societies, 1st ed., London: Rider, 1989, p. 63
4- http://www.churchofsatan.com/Pages/Feared.html
5- LaVeyan Satanists are atheists and agnostics
http://en.wikipedia.org/wiki/Satanism
6- http://www.hermeticgoldendawn.org/
7- http://en.wikipedia.org/wiki/Aleister_Crowley
8- المصدر السابق
9- http://www.bibliotecapleyades.net/esp_sociopol_illuminati.htm
10- أعضاء النادي البوهيمي طبقاً للموقع الرسمي، يحتسون الشراب ثم يقومون بطقوس وثنية خاصة .they drink heavily from morning through the night, bask in their freedom to urinate on the redwoods, and perform pagan rituals
http://www.sonomacountyfreepress.com/bohos/bohofact.html